
حياة الطفل مليئة بالتّغييرات، فدخولُ الطّفل إلى المدرسة والانتقال إلى منزل جديد أو حتى مدينة جديدة، أو غياب شخص مُقرّب بسبب السّفر أو الموت أو انفصال الأبوين… كلّ تلك التغييرات التي لا مفرّ منها في الحياة قد يكون لها آثار نفسيّة صعبة وسيّئة على أطفالنا، فتؤثّر على بناء وتعزيز عقلية نمو مرنة لدى الطفل وشخصيّة متوازنة نفسيّاً وفكريّاً، ويكون لتلك التغييرات آثار سلبية أكثر وطأة على الأطفال العاطفيين أكثر من غيرهم وأولئك الذين تكون لديهم مشاعر جارفة تجاه الانتماء والحنين للأماكن والأشخاص المُقرّبين، وقد ينتهي بهم المطاف لحالة مرضيّة خطيرة تُدعى “اضطراب التكيّف”.. وهنا يبرز دورُنا كآباء في تهيئة أطفالنا للتأقلم والتكيّف مع كافّة المتغيرات التي قد تطرأ على حياتهم وتخفيف الضغط النفسي الناتج عنها. فما السبيل لدعم الطفل من أجل التأقلم مع كافة المتغيّرات في حياته؟ وما دورُنا كآباء في مساعدة أطفالنا للتّعايش مع أي تغيير جذري يطرأ على حياتهم؟ لتحصل على إجابة وافية عن تلك التساؤلات الهامّة وغيرها، ما عليك إلّا متابعة القراءة والتعرّف على أهم الاستراتيجيات والنصائح الموجّهة للأهل لمساعدة أطفالهم وتقديم كافّة الدّعم النّفسي والتّربوي لتنمية عقليّة مرنة وتفكير إيجابي لتخفيف الآثار النفسيّة المترتّبة على التغييرات الجذرية والهامّة في حياتهم الأسرية والمدرسيّة وفي علاقاتهم الاجتماعية.
في الكثير من الأحيان نعاني “كأشخاص بالغين” من عدم القدرة على التكيّف مع التغييرات الجذريّة التي قد تطرأ على حياتنا الأسريّة أو المِهنيّة أو الاجتماعية، وقد نستغرق وقتاً طويلاً تصل لعدّة أشهر حتى نتأقلم ونتعايش مع تلك التغييرات، ولكن في حال استمرّت مشاعرُ القلق والإحباط وعدم الإحساس الدّاخلي بالقدرة على التّأقلم مع الوضع الرّاهن، فهذا يعني أنّ الأمور قد تتفاقم وتخرج عن السّيطرة وتودي بنا إلى نتائج نفسيّة خطيرة كالانعزال والشعور بعدم الرّاحة، وفي الحالات الأكثر خطورة، قد تتطوّر الأمور بشكل سلبي للغاية فتدفع الشخص غير القادر على التأقلم إلى الانتحار! ، ولكن مع امتلاك عقلية نمو مرنة وصحيّة وطريقة تفكير إيجابية سنكون بمأمن عن الآثار الكارثية التي قد تنتج عن عدم القدرة على التأقلم مع التغييرات التي تطرأ على حياتنا، ومن هنا يتوجّب علينا حماية أطفالنا وبذل قُصارى جَهدنا للعمل على تهيئتهم من حيث الرّعاية والدّعم النفسي وتهيئة الطفل لتقبّل كافّة التغيّرات والأحداث التي قد تطرأ على حياته بشكل مُفاجئ.

خمس استراتيجيات فعّالة لمساعدة الطفل على التّأقلم والتّعايش مع التغييرات الجذرية التي قد تطرأ على حياته
1- هيئْ طفلكَ للتّغيير
في الكثير من الأحيان، يجد الأبوان صعوبة في تخفيف وإزالة مخاوف عودة الطفل إلى المدرسة، وتزداد الصّعوبة بالنسبة للأطفال الذين يدخلون المدرسة للمرّة الأولى، حيث يعاني الطفل من صعوبات في التّأقلم مع وضع جديد لم يألفهُ من قبل، حيث الالتزام والانضباط في فصول دراسيّة طويلة و متعدّدة والتّعامل مع أطفال آخرين ..، فيشعر الطفل وكأنهُ سُلب جزءاً من حريّته في الحركة واللّعب والتّسلية، وهُنا يبرز الدّور الهامّ الذي تلعبهُ مرحلة رياض الأطفال في تهيئة الطفل للدخول إلى المدرسة، بالإضافة إلى دورنا كآباء في رسم صورة إيجابية للمدرسة في مخيّلة الطفل من عمر مبكّر، وزرع الحماس والشغف في داخله تجاه المدرسة بحيث يدخلها بروحٍ مُفعمةٍ بالحماس والرّغبة وحب الاستكشاف.
يملك بعض الأطفال مشاعر من الانتماء والحنين للأماكن التي نشؤوا وترعرعوا فيها، فيجدون صعوبة في مُفارقتها وتقبّل العيش في مكان آخر، يشعرون بعدم الأمان وعدم الراحة عند مفارقة مكان اعتادوا العيشَ فيه، احرصْ على تهيئة طفلك قبل الانتقال إلى منزل جديد من خلال زيارته عدّة مرات والقيام ببعض النشاطات فيه، وإضافة بعض التغييرات في المنزل التي تجذب الطفل وتُثير اهتمامه وتجعلهُ قادر على التأقلم والشعور بالأمان في مكان لا وجود لأي ذكريات له فيه.
إن للرّعاية والدّعم النفسي أهميّة بالغة في تهيئة الطفل عاطفيّاً فيما يخصّ تقبّل مُفارقة أشخاص في حياته، وخاصّة الأشخاص المقرّبين في دائرة العائلة أو الذين يقطنون معه في نفس المنزل، حيث يمكن أن يكون لموت أحد الجدين آثار نفسية سيئة على الطفل، اعملْ دوماً على دعم وتهيئة طفلك نفسيّاً لتقبّل الأحداث المُفجعة، واحرصْ على رعايته وتربيته من خلال تنمية وتعزيز عقلية مرنة وصحيّة بحيث يكون قادر على التأقلم مع غياب شخص اعتادَ على وجوده.

2- علّمهُم أنَّ التّغيير طبيعي
يواجه أطفالنا عادةً صعوبة بالغة في تقبّل التغيّرات التي تحدث بسبب اعتقادهم أن كل الأمور والأحداث التي تجري من حولهم تسير وفق رغباتهم وتحت سُلطتهم فينظرون إلى أيّ تغيير في حياتهم على أنّه تحدّي لرغباتهم وخرق واضح لسُلطتهم!
نشرف كآباء على حياة أطفالنا وعلى سير كافّة الأمور المُتعلقة بهم فيما يخصّ حياتهم المدرسيّة والمنزليّة وعلى تكوين علاقاتهم الاجتماعية..، ولكن حياة الطفل مليئة بالمتغيرات المفاجئة والأحداث الطّارئة التي لم تكن بالحُسبان أو قد نكون بعيدين عنها، وبالتالي يتوجّب على الطفل مواجهة تلك التغييرات والتعامل معها بمفرده، ولكن في حال لم يكن الطفل مهيّأً من خلال امتلاك عقلية مرنة للتعامل مع تلك التغييرات كأحداث طبيعية ومُتوقّعة قد يواجه صعوبات في التعاطي معها بشكل صحّي ومرن وآمن، فالتعامل اللّطيف مع طفلك من قبل أهله وذويه سيجعل الطفل يعتقد أنّ كل الناس لُطفاء!
لتحمي طفلك من التغييرات التي قد يواجهها بعيداً عن ناظريك، احرصْ على تهيئته وتحصينه بشكل كافي للتعامل مع تلك التغييرات بعقلية مرنة وتفكير إيجابي والنظر إليها كأحداث غير مفاجئة وعدم الانجرار إلى ردات فعل خاطئة بالإضافة لحمايته من أي صدمة سلبية لم يكن مهيّأًّ لها بالشكل المطلوب.

3- امنحْ طفلكَ الفُرصة للتّأقلم مع التغيير
إنّ تعزيز الطفل لمقدراته واكتسابه لمهاراته على اختلافها تُحتّم أحياناً على الأبوين منح الطفل الفرصة للقيام بذلك بمفرده مع إشراف الأبوين ومراقبة سير الأمور من بعيد، فعادةً ما يكون تعزيز الأفكار لدى الطفل من خلال اختبار تلك الأفكار وتجربتها بشكل عملي وملموس أكثر نجاحاً من العملية التوعويّة والتثقيفية التي يقوم بها الأبوان لتنمية تلك الأفكار لدى أطفالهم، ولكن في حال فشلَ الطفل في اكتساب تلك المهارات أو أخطأ في فهم الأفكار بشكل صحي وسليم، عندها لابدّ من تدخّل الأبوين.
في بعض الأحيان، يسعى الأبوان بإلحاح ومُبالغة لتشجيع طفلهم على التّأقلم مع التغييرات التي قد تطرأ على حياته في وقت لا يحتاج فيه الطفل لكل هذا الإلحاح، وبالتالي تكون النتائج عكسية، فالفرق الذي لم يشعر به طفلك إزّاء التغيير أو استطاع التأقلّم معه بشكل طبيعي قد تُسهم أنت في إظهاره!
امنحْ طفلك الفرصة للتعايش والتأقلم مع التغييرات والأحداث الجديدة التي قد تطرأ على حياته قبل التفكير في تقديم المساعدة والدعم له، فإذا نجحَ طفلك في ذلك تكون قد منحتهُ فرصة ثمينة في تعزيز عقليّة مرنة بحيث تنمّي قدرته على تقبّل كافّة التغييرات في حياته.

4- شجّع طفلك للتعبير عن مخاوفه من التغيير
في الكثير من الأحيان، يبالغ الأطفال في التعبير عن مشاعرهم، ومنها مخاوفهم من أي تغيير قد يحدث في حياتهم ولكن تلك المخاوف المزعومة قد تتطوّر إلى مشاعر حقيقية وصادقة اذا لم يتم رعايتها وإدارتها من قبل الأبوين بعناية ووعي، يمكن لطفلك أن يتخلّص من تلك المخاوف إذا قام بالإفصاح عنها، وهنا يبرز دورنا كآباء في الإنصات إلى أطفالنا بعناية والاستماع لشكواهم وتحفيزهم للتعبير عن مخاوفهم المرتبطة بأي تغيير طرأ أو يطرأ على حياتهم، ومناقشة الطفل في تلك المخاوف والعمل على تجريدها والتقليل من وطأتها حتى يدرك الطفل أن مخاوفه ليست بتلك الخطورة.
من التغييرات التي قد تطرأ على حياة طفلك بحيث يجد صعوبة في التكيّف معها هي الانتقال إلى مدرسة جديدة، فصعوبة تكوين صداقات من جديد والتأقلم مع وضع مدرسي جديد بالكامل هو أبرز ما ينمّي تلك المخاوف عند الطفل ويزيد من وطأتها.
احرصْ على موافقة طفلك وتقبّل مشاعره بتعاطف بعيداً عن الصدّ أو محاولة الاستخفاف بتلك المخاوف، فالطفل يرى في الاستخفاف بكلامه أو المخاوف التي يعاني منها استخفافاً بمشاعره، فمثلاً بدلاً من قول مثل ” أنت لست على حقّ، فأنت تبالغ في خوفك، والأمر لا يستحق كل هذا العناء!” يمكن استبداله بجملة أكثر تقبّل وإيجابيّة من قبيل “أنت على حقّ، فمن الصّعب أن تتخلّى عن مدرستك وأصدقائك الذين تحبهم”، بعد ذلك، ناقش طفلك بهدوء في الأسباب التي تدفعه للخوف والقلق من الانتقال إلى مدرسة جديدة، احرص على انتقاء جمل إيجابية وداعمة، فإذا كانت إحدى مخاوفه هي ابتعاده عن أصدقائه، يمكنك استخدام بعض العبارات البنّاءة من قبيل “نعم هذا صحيح، ولكن قد تتعرّف على أصدقاء جدد تحبهم في مدرستك الجديدة!”. تلك المناقشة الهادئة والبنّاءة التي تعطي الطفل الفرصة للإفصاح عن مخاوفه وتهوينها تسهم بشكل فعّال في بناء عقلية مرنة لإدارة مخاوفه بشكل إيجابي والتأقلّم مع تغييرات أكثر أهميّة وصعوبة قد تطرأ على حياة طفلك المستقبلية.

5- حافظْ على الروتين
عادةً ما يشعر الأطفال بالتغييرات بشكل فعلي وملموس عند تغيّر سلوكيات من حوله، فعدم اجتماع العائلة على مائدة الإفطار كالمُعتاد أو عدم منح الطفل قُبلة الصّباح أو عدم الذهاب في النزهة المُعتادة في نهاية الاسبوع.. كل ذلك سيُشعر الطفل أنّ هناك تغييراً قد حصل!
من المهم في التغييرات التي قد تطرأ على العائلة أن يحافظ الأبوان على سير الحياة بشكل طبيعي كي لا يشعر الأطفال بصعوبة التغيير مع الالتزام بالنشاطات الروتينية التي اعتادَ الطفل على القيام بها، احرصْ على تأمين وتهيئة كافة الظّروف التي تساعد في المحافظة على الروتين اليومي لأطفالك كاللّعب في حديقة المنزل، فعند الانتقال إلى منزل جديد “احرصْ على وجود حديقة في المنزل الجديد”.
يرى الأطفال في الروتين اليومي نوعاً من الاستقرار، فيُشعرهم بالرّاحة والطّمأنينة والإحساس بالأمان، كما أنّ إدخال التغييرات والصعوبات التي يواجهها الآباء في عملهم إلى المنزل تؤثّر بشكل سلبي على الأطفال، وعدم قدرة الأب على التأقلم مع عمله الجديد ينعكس على أطفاله، فعادة ما يستمدّ الطفل من أبويه الرّاحة والاستقرار والطمأنينة.
احرصْ دوماً على فصل حياتك الوظيفية عن حياتك الأسريّة، احمِ أطفالك من آثار التغييرات التي قد تطرأ خارج حدود المنزل وتعاملْ مع كافة التغييرات الخارجية بوعي ومرونة للحفاظ على سير حياة أطفالك بشكل طبيعي وتعزيز قدراتهم على التأقلم والتكيّف مع كافّة الظّروف والمتغيرات التي تطرأ على حياتهم فعادةً ما يرى الأطفال في راحة آبائهم سبباً لراحتهم.

إقرأ أيضا:
إقرأ أيضا:
إقرأ أيضا:
كما يمكنك تنزيل المقال بصيغية PDF وقرائته لاحقاً من خلال الضغط على زر تنزيل
0 تعليق