
من أهمّ المسائل التّربويّة الّتي ينبغي على الآباء منحَها اهتماماً كافياً والعمل على تحقيقها هي بناء الثقة مع الطفل في مرحلة المراهقة ، فحين تُنشئ علاقة مع طفلك على أساس الثّقة لن تكون بذلك تبني جسراً لتمرير مفاهيمك الصّحيّة والإيجابيّة إلى عقليّته فحسب!، فالثّقة بمفهومها العامّ تمتد آثارُها على الطّفل لتشمل جوانب مختلفة من حياته بدءاً من تعليمه مهارات الالتزام، احترام الوعود والمواثيق، الثّقة بالنّفس وتقدير الذّات، الصّدق والشّجاعة وليس انتهاءً في تنمية مهاراته في بناء علاقات اجتماعيّة صحيّة وإيجابيّة تكون الثّقة أساساً فيها.
يغفل بعضُ الآباء عن خصوصيّة فترة المُراهقة الّتي حتماً سيمرّ بها أبناؤُهم، فتبقى صورة الطّفل الصّغير عالقة في أذهانهم غير مُدركين لحساسيّة هذه المرحلة وطرق التّعامل الصّحي والآمن مع مُراهق كان منذ عامين مضيا طفلاً يبكي على لعبته وبعد عامين سيصبح شابّاً يبحث عن كيانه الخاصّ، وبالتّالي فإنّ المُراهقة هي مرحلة مفصليّة هامّة من حياة الطّفل ويجب إدارتُها من قبل الآباء بالكثير من الوعي والحكمة.
يختبر الطّفل في فترة المُراهقة مجموعة من التّطوّرات الجسديّة والنّفسيّة الّتي تبدو آثارُها واضحةً على جسده وسلوكيّاته، وقد يقع في أخطاء لم يرتكبها من قبل نتيجة تلك التطوّرات الّتي يسبح في بحرها والّتي تؤثّر على بناء عقليّته وشخصيّته في آن، وعليه فإنّ إدارة تلك التأثيرات بشكل صحّي وآمن ستكون مهمّة الآباء للأخذ بيد الطّفل إلى برّ الأمان من خلال التّعامل بحكمة مع السّلوكيّات والأفكار الفرديّة الّتي قد يبدأ المُراهق باكتسابها من خارج دائرة التّربية المنزليّة كشخص يبحث عن استقلاليّته، عليك أنَّ تدرك أنّ الأخطاء الّتي سيرتكبُها طفلك المُراهق ستكون بمثابة دروس تعليميّة تمثّل درعاً واقياً يحميه من الوقوع بأخطاء أكثر خطورة في المستقبل.
العمل على بناء الثّقة مع طفلك المُراهق حتماً ليست بالمهمّة السّهلة وتتأثّر بالعديد من العوامل داخلَ المنزل وخارجَه، ولكن في جميع الأحوال فإنّ احتواء المُراهق والعمل على استيعاب حساسيّة المرحلة الّتي يمرّ بها هي الاستراتيجيّة الأفضل لإدارة تلك المرحلة بنجاح.
يقوم بعض الآباء بمنح طفلهم المُراهق الثّقة الكاملة من خلال عدم تقديم الإرشادات ورسم الحدود الّتي لا يزال الطّفل بحاجة إليها لإدراك الخطأ من الصّواب، وعلى عكس ذلك، قد يتبّع بعضُهم الآخر سياسة عدم منح المُراهق الثّقة من خلال المُبالغة في الشك والتّطفّل المُفرط بجميع مناحي حياته، وفي جميع الأحوال، فإنّ كلا الأسلوبين يمكن أن يهيِّئ الطّفل المُراهق للفشل ويسبِّب ضرراً بعلاقته مع والديه!
سنعمل في هذا المقال على مساعدة الآباء في مهمّة بناء الثقة مع الطفل في مرحلة المراهقة، حيث سنضع في متناولكم ثلاثة من أهمّ الاستراتيجيّات التّربويّة الصّحيّة والفعّالة للتعامل بشكل صحّي وإيجابي مع أطفالكم الذين يمرّون بمرحلة المُراهقة لبناء جسور الثّقة معهم على أساس متين وثابت.
ثلاث استراتيجيّات لتعزيز الثَّقة مع طفلك المُراهق

الاستراتيجية الأولى لبناء الثقة مع الطفل في مرحلة المراهقة: كنْ جديراً بالثّقة لطفلك المُراهق
يعمل بعض الآباء جاهدين لجعل أطفالهم المُراهقين يثقون بهم، بهدف إخبارهم بكل التّجارب الّتي يمرون بها والأخطاء الّتي يرتكبونها، ولكن في حال لم يرَ طفلك مؤشّرات عمليّة تدفعهُ وتشجّعهُ ليثق بك فغالباً ستبوء جميع محاولتك بالفشل، وهذا ما يعني أنِّه يتوجّب أن تكون بالنسبة لأطفالك مصدر ثقة، فحين تُبدي رد فعل ساخر ومُستهزئ تجاه طفلك المُراهق الّذي يعترف لك بمشاعر الإعجاب والمودّة تجاه إحدى زميلاته في المدرسة، أو عندما تتعامل بأسلوب مُستهجن أو عنيف مع طفلك بعد أن أخبرك بموقف شجار حصل مع أحد أصدقائه، تأكّد أنّ طفلك سيسعى لإخفاء الحقائق عنك ما استطاع!، لأنه ببساطة لا يجد في طرق تعاملك دافعاً أو مُحفّزاً للقيام بذلك، ثقْ بأنّ ردّاتِ فعلك الهادئة وطرق تعاملك الصّحيحة تجاه أخطاء طفلك المُراهق وأسلوبَك البنّاء في مساعدته على حلِّ مشاكله وقضاياه الخاصّة هي الّتي تؤسّس وتبني الثّقة بينكما، وفي المقابل، فإنّ طرقَ التّعامل غير الصّحية وردّاتِ الفعل غير المدروسة تقطع حبال الثّقة مع طفلك المُراهق وتجعلك شخص غير جدير بالثّقة بالنسبة له.
في حال حصلَ طفلك على علامة تقدير منخفضة، فردّةُ فعلك الصّحيحة هي إخبارُه بأنّ الأخطاء فرص هامّة للتعلّم، وطلبتَ إليه بذلَ المزيد من الجّهد، وأعنتهُ على تخطّي العقبات والمشاكل الدّراسيّة الّتي يواجهها، والنتيجة هي أنّك ستكون مصدر ثقة لطفلك بحيث يخبُرك عن جميع مشاكله الأخرى الّتي قد يواجهُها، ولكن في حال قمتَ بردّة فعل خاطئة كمُحاسبة طفلك بقسوة من خلال التّوبيخ اللاذع أو الضّرب!، ومنعته من اللّعب أو قمت بتطبيق إجراءات عقابيّة كالحرمان من بعض الحقوق، فالنّتيجة هي أنّ طفلك لن يثق بك وسيكون حريصاً على إخفاء النّتائج الدّراسيّة عنك، خوفاً من مُحاسبتك.
الاستراتيجية الثانية لبناء الثقة مع الطفل في مرحلة المراهقة: تعاملْ مع خيانة طفلك المُراهق لثقتك كفرصة لإعادة بناء الثّقة
إضافةً إلى أهميّة بناء الثّقة مع طفلك المُراهق، فإنّ إعادة بنائها أيضاً هي مسألة غاية في الأهميّة، المقصد من إعادة بناء الثّقة هو اتّباع سلوكيّات صحيحة وبنّاءة في الحالات والمواقف الّتي يخون فيها الطّفل الثّقة الّتي منحته إيّاها، والابتعاد عن التّصرّفات الانفعاليّة الّتي ستؤدّي إلى زيادة الفجوة في الثّقة الّتي سعيتَ جاهداً لبنائها مع طفلك.
في حال اكتشفت أنّ طفلكَ المُراهق ذهب للملعب على الرّغم من أنّك أخبرتهُ أنّ الوقتَ ليس مُناسباً للذهاب، فقمتَ بمحاسبته من خلال التّعنيف الجسدي أو اللّفظي، قد يمتنع طفلك عن مُخالفة تعليماتك لاحقاً !، ولكن ليس انطلاقاً من الحفاظ على الثّقة الّتي منحتهُ إيّاها وإنّما خوفاً على نفسه من محاسبتك القاسيّة، وبالتّالي فإنّ طفلك قد يخالف تعليماتك في الحالات الّتي تكون فيها مُنشغل أو مريض أي عندما تكون غير قادر على محاسبته!
بناء الثّقة أو إصلاحها لا يتمّ من خلال التّعنيف أو سلوكيّات المُحاسبة القاسيّة، بل الأساليب الأفضل هي التّوعية وإظهار الأسباب والنّتائج للطّفل المُراهق ليدرك العواقب الّتي نتجتْ عن خيانته للثّقة، ولاشكّ أنَّ اتّباع بعض أساليب المُحاسبة الصّحيّة والآمنة ستُجدي نفعاً كبيراً في عمليّة إصلاح الثّقة وإعادة بنائها.
للربط بين خيانة طفلك المُراهق لثقتك والتصرّف الأفضل للتّعامل مع الموقف بهدف إصلاح الثّقة سنقدّم مثالاً عمليّاً على ذلك، فعلى فرض أنّ طفلك المُراهق أذاعَ سرّراً كنتَ قد أوصيتَه بألّا يخبر به أحد، يمكنكَ في البداية أن تمتنع عن محادثته لفترة تمتدّ لساعات أو لأيّام حتى يُدرك عاقبة خطأهِ، ومن ثمّ يمكنك الجلوس معه ومحادثته بأسلوب هادف وبنّاء حول أهميّة الحفاظ على الأسرار وعدم البوح بها.
الاستراتيجية الثالثة لبناء الثقة مع الطفل في مرحلة المراهقة:كنْ نموذجاً للشّخص الموثوق يحتذي به طفلك المراهق
إنّ الطّفل بشكل عام والمُراهق بشكل خاصّ يدرك القيم والمفاهيم من أبويه انطلاقاً من الأفعال أكثر بكثير من إلقاء المُحاضرات، أيّ أنّ أطفالنا يتعلّمون ممّا نفعله أمامَهم أكثر ممّا نقوله لهم، وبالتّالي فإنّ كل محاولاتك لبناء الثّقة مع طفلك المُراهق لن تُجدِ النّفع المرجوّ طالما أنّك لا تحافظ على الثّقة الّتي يمنحها لك الآخرون أمام أطفالك.
انطلاقاً من حساسيّة فترة المُراهقة والعوامل الخارجيّة الّتي تؤثّر على عقليّة المُراهق من قيم ومفاهيم وأفكار تأتي من خارج نطاق التّربيّة المنزليّة، يتوجّب علينا كآباء بذل المزيد من الجّهد والاهتمام لضبط وإدارة سلوكيّاتنا وتصرّفاتنا أمام أطفالنا لمنحهم النّموذج الأفضل من السّمات الأخلاقية كالصّدق والأمانة ليكون منطلقاً لبناء وتعزيز الثّقة معهم وفقَ أساس متين وثابت.
حين يراك طفلك المُراهق وأنتَ تنقض وعداً قطعته لأحد أصدقائك دون إعطاء مُبرّر لذلك، أو عندما تفشي سرّاً أمام طفلك المُراهق عن أحد الأصدقاء كان قد أخبركَ به، ستكون بذلك تنسف جميع المحاولات لبناء الثّقة مع طفلك المُراهق، فهو سيرى أنّ لا مشكلة في نقضِ الوعود والعهود، وأنّ إفشاء الأسرار أمرٌ طبيعي.
إقرأ أيضاً: تقدير الذات عند الأطفال: سبع استراتيجيات فعّالة لمساعدة الطفل
إقرأ أيضاً: التعامل مع أخطاء الطفل؟ 10 خطوات لمساعدة طفلك على التعلّم من أخطائه
إقرأ أيضاً: 4 استراتيجيّات لتنمية مهارات الطّفل في الاعتماد على الذات
هل أعجبكَ المقال؟
هل تواجه مشكلات في بناء الثّقة مع طفلك المُراهق؟
وما النّصائح الّتي تراها مُفيدة في إصلاح تلك الثّقة؟
إذا أعجبكَ المقال، لا تتردّد في مشاركته مع الأصدقاء.
كما يمكنك تنزيل المقال بصيغية PDF وقرائته لاحقاً من خلال الضغط على زر تنزيل
0 تعليق