
لحسن الحظ، هناك عدة طرق واستراتيجيات يمكن اتّباعها مع الأطفال للتعامل مع المنافسة الرياضية بعقلية تنافسيّة صحية ومرنة، يجب أن يربط الطفل نجاحه في المنافسات الرياضية بالعمل الجاد والتدرّب والمهارات المكتسبة بدلاً من الاعتماد على مواهبه الفطرية، فالموهبة لا تكفي لتحقيق النجاح بل يجب صقل تلك الموهبة وتطويرها، وعندها سيرون الإنجاز والنجاح حتى في أبسط المكاسب، ويسعون للإلهام والتعلّم من منافسيهم في حالات الخسارة. ستجعل هذه العقلية الصحية في التفكير الأطفال يعملون من خلال بذل قُصارى جهدهم لتنمية مهاراتهم، وستخلق لديهم روح التنافس الإيجابي التي تحفزهم على التطوّر والتقدّم.
ارتبطت المنافسة الصحية أثناء الطفولة بالتشجيع والدعم والثقة وفي وقت لاحق، اكتساب المهارات الاجتماعية من خلال التجارب، ناهيك عن التعامل الآمن والإيجابي مع المكاسب والخسارات، ومن الواضح أنّ تطوير هذا النوع من العقلية مبكرّاً عند الأطفال انطلاقاً من المنزل، يمكن أن يعزّز لديهم الثقة بقدراتهم، ويُصبحون قادرين على تقديم أفضل ما لديهم وتطوير مواهبهم ومهاراتهم مستقبلاً.
فيما يلي خمس طرق فعّالة لخلق وتعزيز روح رياضية وعقلية تنافسية صحية عند الأطفال لضمان استمرارهم في المحاولة والاستمتاع باللعب وتطوير مهاراتهم الرّياضية بغض النظر عن النتائج:

1- ربط الفوز بالجهد
غالباً ما يفكّر الأطفال في الفوز كنتيجة لموهبتهم أو حظّهم الجيد!، لتنمية روح رياضية وعقليّة تنافسيّة صحيّة، اشرحْ لطفلك أن النتائج الإيجابية وتحقيق الفوز هي ثمرة يحصدها بعد الكثير من التعب والتدريب والجهد المبذول. ناقشْ معه كيف أن أفضل اللاعبين هم الذين يجتهدون أكثر ويعملون بجد على تطوير ما لديهم من إمكانات ومواهب. لمساعدة أطفالك على إدراك المعاني الإيجابية، اطلبْ منهم إجراء بعض الأبحاث حول الشخصيات الرياضية التي يُحتذى بها، سوف يعلمون عندها مقدار العمل والجهد المبذول في نجاح كل رياضي حتى وصل إلى ما هو عليه.
بصفتك أباً ومدرّباً داعماً لطفلك، من الضروري الثناء على الجهد المبذول في التدرّب بدلاً من الإشادة بمواهبه ومهاراته، على سبيل المثال، قد تقول لطفلك ” أحسنت لقد تدرّبت بجد! “، وبالنتيجة تكون قد عملت على تنمية وتعزيز أحد الجوانب الرئيسية للعقلية التنافسية التي تركّز على النمو والتطور.
ولكن من الضروري أن يكون الثناء والمديح مُستحقّاً وفي مكانه، فالمديح دون بذل الجهد المطلوب وإحراز النتائج لا يعدو كونه إحدى السياسات الخاطئة المُتّبعة في بناء عقلية نمو صحية لدى طفلك، فعلى الطفل أن يدرك جيّداً كمّ الجهد المطلوب بذله في التدريب للوصول إلى النتائج المطلوبة، وعندها يكون المديح أمراً ضرورياً.
2- إعادة تعريف النجاح والفشل
في البداية، اشرحْ لطفلك أنّ تحقيق الإنجاز لا يعني دائماً إحراز الفوز وعدم تحقيق ذلك الفوز لا يعني الفشل!، فالأهداف المطلوبة والمرجوّة مرتبطة بالأداء وتحسين المهارات وليست قائمة على النتائج المؤقتة، حيث يمكن تعريف إمساك الكرة بمهارة أو العمل الجاد أثناء التمرين أو التعلّم من التجارب في تصويب الأخطاء على أنّه نجاح، يمكن أيضاً اعتبار العودة بقوّة بعد الخسارة بمثابة إنجاز كبير.
اسألْ طفلك، “ماذا تأمل أن تتعلم من هذا؟” أو “ما هي سبل تحسين أدائك ومهاراتك؟” لتطوير عقلية نمو تدرك أن الأهداف تتجاوز مجرّد الفوز باللعبة وتتعداها نحو تنمية العزيمة واكتساب المزيد من مهارات اللّعب والإتقان. من الضروري أيضاً أن يعلم الطفل أن مجرّد أرقام تعبّر عن نتيجة المنافسة الرياضية لا تحكم عليه بالفشل!، وأن الخسارة الحقيقة هي الشعور بالخيبة والإحباط والرغبة بالاستسلام. لا يساعد الوقوع بالفشل الأطفال في بناء عقلية مرنة وصحيّة فحسب بل هو أمر ضروري وأساسي! لتعزيز الروح الرياضية الإيجابية وتقوية العزيمة نحو التطوّر والتقدّم.

3- التعلّم من المُنافسين وتحدّي الذّات يعزز الروح الرياضية
من الطبيعي أن يُقارن الأطفال أنفسهم وأدائهم بالآخرين. في الواقع، هذا جزء من كيفية اكتشاف الأطفال أنفسهم ومقدار احترامهم وتقديرهم لذاتهم. لكنّه يصبح مُضرّاً عندما لا يشعر الطفل أنه على مستوى عالٍ أو تسبّب هذه المقارنة للطفل عائقاً للتطوّر والتقدّم. بدلاً من ذلك، يمكن للأطفال تعلم كيفية الإلهام والتعلّم من منافسيهم. اطلبْ من طفلك أن يسأل نفسه، “ماذا تعلّمت من الفريق الآخر؟” أو “ما الذي يفعلونه وأود أن أتعلّمه؟” وركّزْ في نقاشك على الجهد الذي تم بذله وأدّى إلى نجاح أحد المنافسين: “أراهن أنه تدرب كثيراً حتى أحرز هذا الفوز. ما رأيك أنت؟”
يمكن للأطفال أيضاً تعلّم التنافس والتحدّي مع أنفسهم، فإدراك الطفل أنّ أهمّ مُنافسٍ له هو نفسُه يعدّ جزءاً من تطوير المنافسة الصحيّة وتنمية إمكانيات الطفل بدخوله في تحدٍّ مع نفسه، فبدلاً من التركيز على الآخرين، يمكن أن يكون نجاح الطفل مبنيّاً على نفسه، فالمُثابرة من أجل تحقيق إنجاز لم يستطعْ تحقيقه من قبل، ينمّي لدى الطفل الدوافع والعزيمة لتحقيق الأفضل في المستقبل، كما يمكن للمنافسة الذاتية أن تجعل التقبّل والتسامح مع الخسارة والفوز أسهل.
من الضروري أيضاً مناقشة الطفل عن الحجم والعمر والإمكانيات وإدراكه أنّ المقارنة مع الآخرين يجب تكون عادلة. اسأل طفلك، “هل أنت كبير أم صغير؟” وعند إدراك الطفل لإمكانياته العضلية والذهنية عندها يعلم الطفل العمر المناسب للقيام بالمهام المناسبة له، فمقارنة طفلك صاحب العشر سنوات نفسه مع شاب يافع قد يكون له آثار سلبية!
وبنفس الطريقة يمكن إظهار قدرة وإمكانيات الطفل في التنافس: “أنت محق في بذل قصارى جهدك، لديك كل ما تحتاجه في هذه اللحظة لتحقيق ما تريد”.
4- تعزيز ثقافة الفريق والعمل الجماعي
ثقافة الفريق الواحد هي أن تشعر أنك جزء من فريقك وأنك غير قادر لوحدك على تحقيق النتائج المطلوبة مع إعطاء أهمية بالغة وتقدير للدروس المُستفادة من الأخطاء وبذل الجهد الجماعي لتصويبها، مع وضع الخطط وإعطاء الوقت المناسب للتفكير في كيفية تحقيق الإنجاز والنجاح من خلال الأداء الجماعي.
إن تدريب الأطفال على العمل بروح الفريق الواحد يعد من القيم الهامّة التي لها العديد من الآثار الإيجابية التي تنعكس على سلوك وشخصية الطفل وتخلّصه من النزعة الفردية والتمركّز حول الذات، بالإضافة إلى أنّ العمل الجماعي يُكسب الطفل قيم هامّة كالتعاون وتقبّل الآخر كما يزيد من شعوره بالرّضا، وعلى الجانب الآخر ينمّي في الطفل سمات إيجابية كالتحدّي والإصرار من أجل بلوغ الهدف، خاصّة في حالات المشاركة التنافسية الجماعية.
إنّ تعزيز ثقافة العمل الجماعي والفريق الواحد عند الأطفال أمرٌ لابد أن يبدأ من داخل الأسرة، شجّع طفلك على المشاركة في بعض الأعمال المنزلية بما يناسب عمره، بالإضافة إلى دور المدرسة من خلال قيام معلّم الصف بفرز التلاميذ إلى مجموعات وإيكال بعض الواجبات والمهام التي ينبغي تنفيذها بشكل جماعي.
إن قبول المكاسب بتواضع وتقبّل الخسائر بتفهّم هي سلوكيات مُكتسبة، لا يعرفها الأطفال بالفطرة!، فعندما يناقش المدرّب التحدّيات الموجودة بصراحة ويخلق بيئة يتم فيها إعطاء أهمية للأخطاء في تحقيق التطوّر، تُتاح عندها للأطفال فرصة التعلّم والتغلّب على تلك الأخطاء، مع نَسب الفشل أو النجاح لكامل الفريق لتعزيز ثقافة الفريق الواحد. اسأل طفلك دائماً مع استخدام صيغة الجمع المتكلم، “ما الذي يمكننا تعلّمه من خسارتنا؟” أو “ما الذي فعلناه بشكل جيد؟”.
الروح الرياضية وعقلية التنافس الإيجابي وثقافة العمل الجماعي هي مفاهيم ضرورية على الطفل أن يكتسبها من خلال إدراك معنى ثقافة الفريق الصحي. إن القيام ببعض النشاطات والفعاليات بين أعضاء الفريق بعيداً عن أرض الملعب، تُسهم بشكل كبير في خلق وتعزيز روح التقارب والألفة فيما بينهم، وتساعدهم على تنمية التأثير الإيجابي والصحي فيما بينهم.
5- التدرّب في المنزل على تعزيز الروح الرياضية
يلعب الأبوين الدور الأهم في بناء عقلية مرنة وصحيّة تجاه التنافس الرياضي من خلال إنشاء الأطفال على القيم والمعايير المناسبة وبناء الطفل بشخصية متوازنة بعقلية نمو صحيحة تجعله مُحصّناً وقادراً على مواجهة أي قلق أو توتر تجاه المنافسات وتقدير معنى الربح والخسارة بشكل جيد، لا يكفي أن تعطي طفلك الإرشادات والنصائح حول بناء الرّوح الرياضية الإيجابية، عليك أن تمتلكها أنت قبل طفلك وأن تطغى تلك الروح على أفعالك وتصرفاتك، فالطفل دائماً ما يقتدي بأبويه.
التدرّب في المنزل في بيئة مُريحة تمنح الطفل الفرصة لتعلم واكتساب المهارات اللازمة وبناء عقلية تنافسية صحية من خلال ممارسة الألعاب العائلية في جو من المرح والتحدّي، مع اختيار الألعاب التعاونية القائمة على الفِرق المختلفة وأن تكون عادلة وتتيح للجميع فرصة الربح والخسارة، وبهذا يتاح للطفل إدارة مشاعره حول النتيجة بسهولة وراحة أكبر وزرع روح التنافس البنّاء وتحصين الطفل من التوتر الذي قد ينتج عن المنافسات خارج المنزل.
تتمثّل إحدى الطرق المُتّبعة في ممارسة الألعاب المنزلية في سلسلة من الخطوات البسيطة، أولاً، ابدأ بألعاب وتحديات وأنشطة فردية يتنافس فيها الأطفال مع أنفسهم. بعد ذلك، أضفْ عنصر العمل الجماعي عن طريق اختيار الألعاب التعاونية، حيث تعمل عائلتك بشكل جماعي ضد عقبة مشتركة، امنح الفرصة للطفل لمحاكمة لنفسه دون أن تُملي عليه ما يجب فعله أو تصويبه وذلك من خلال إظهار الأخطاء المرتكبة ومعالجتها بعيداً عن التوجيه بل يجب أن تنبع من الطفل نفسه ليكون قادراً على التطور الذاتي وحل المشاكل لوحده.
إنَّ تبادل الأفكار مع الأطفال حول ما سيحدث بعد الفوز أو الخسارة بطريقة مُريحة وبنّاءة، وكيفية استثمار كلا النتيجتين كنجاح تعزّز لديهم القدرات اللازمة في مواجهة التحديات ودخول المنافسات بروح رياضية جيدة وعقليّة مرنة تُدرك جيداً أن الفوز هي نتيجة تبعث على الارتياح والرّضى وأما الخسارة فهي نتيجة تمنح المنافس الفرصة للاندفاع والعزيمة نحو التطوّر والتحسّن، وأن كلا الأمرين نتيجة مؤقتة لمرحلة ما لن تدوم طويلاً.
خُلاصة
لكي يستمتع الأطفال بالمُنافسة الرياضية ويتعلّمون منها، فإن ربط الجهد بالنجاح أمر أساسي، فلا يمكن للأطفال التحكم في نتيجة اللعبة، ولكن يمكنهم تعلّم امتلاك عقلية تنافسيّة صحية تدفعهم نحو تطوير مهاراتهم والتأثر الإيجابي بالمحيط، والدخول في حالة التحدي والتنافس مع الذات، وإدراك المعنى الحقيقي لمفهوم الفوز والخسارة وأن كلا النتيجتين نجاح. بصفتنا آباء ومدرّبين للأطفال، فإنّ تعريف النجاح على أنه المُثابرة والعمل الجاد وبذل الجهد والتعلّم من الأخطاء يخلق منظوراً جديداً وصحيّاً تجاه المنافسة الرياضية ويعزّز الروح الرياضيّة الإيجابية لدى الطفل.
إقرأ أيضا: كيف تبني الثقة مع الطفل في مرحلة المراهقة؟
إقرأ أيضا: سبع نصائح لتربية طفل شجاع وقادر على الدفاع عن نفسه
إقرأ أيضا: سبعة أخطاء تربوية يرتكبها الآباء في تربية أطفالهم
هل أعجبك المقال؟ هل توافق مع الأفكار الواردة أعلاه؟ يرجى ترك تعليق حول ما أعجبك أو لم يعجبك في المقال أو ترك تعليق بالمواضيع التي ترغب بمناقشتها مستقبلا.
تذّكر أن البيئة السليمة المحيطة بأبنائك لها دور حاسم في تربية أطفالك فلذلك إذا أعجبك المقال يرجى مشاركته مع أقاربك وأصدقائك لتعم الفائدة على الجميع.
كما يمكنك تنزيل المقال بصيغية PDF وقرائته لاحقاً من خلال الضغط على زر تنزيل
0 تعليق