
إنّ أكثر ما يشغل تفكيرنا كآباء ونسعى جاهدين لتحقيقه هو منح أطفالنا حياة يكون فيها لكلّ من الرّاحة، السّعادة، والنّجاح حيّزاً هامّاً وأساسيّاً. لحسن الحظّ، يمكن تحقيق ذلك من خلال خطوة واحدة أساسيّة وهي أن نعطي أهميّة لبناء وتعزيز العقلية النامية لدى أطفالنا ما يمنحهم الوعي الكافي الّذي يرشدهم لتحقيق وتطوير حياة ناجحة وسعيدة.
العقلية النامية هي أسلوب تفكير بنّاء وإيجابي يتطلّع صاحبُها إلى الحياة بتفاؤل، موضوعيّة وثقة، فتراه ينظر إلى نجاحه على أنّه مكافأة لجهده وتعبه وإلى فشله على أنّه فرصة هامّة لكشف الأخطاء ومواطن الضّعف، وبالتّالي ينتهز تلك الفرصة بهدف النّمو والتّطوّر وتحسين الإمكانيات بشكلٍ ناضجٍ وواعٍ.
من السّمات الهامّة أيضاً الّتي يمتلكها الطّفل الذّي يتحلّى بالعقلية النامية هي الثّقة العالية بالنّفس الّتي تكون بمثابة درع متين يحميه ضدّ كل محاولات تثبيط العزيمة أو النقد الهدّام.
عادة ما تمنح العقلية النامية الطّفل القدرة على اتّخاذ القرارات الفرديّة وبالتّالي تنمية الشّخصيّة المُستقلّة، بالإضافة إلى تحسين قدراته على حلِّ المشكلات ومواجهه التحدّيات الّتي تعترضه في الحاضر والمستقبل.
يعاني الأطفال الّذين لم تكن لديهم الفرصة بعد لامتلاك تلكَ العقليّة من خلال الشّعور بالإحباط الشّديد النّاتج عن أيّ فشل أو خسارة، عدم التحّلي بالثّقة بالنّفس وتقدير الذّات فيغدون هدفاً سهلاً لمحاولات التّحطيم الّتي قد يتعرّضون لها. كما يفتقدون الكثير من السّمات الهامّة نتيجة عدم تحلّيهم بعقليّة نامية وصحيّة، كالشّخصيّة القويّة، القدرة على التّفكير الإيجابي والتّحليل، مواجهة تحدّياتهم وإيجاد الحلول لمشاكلهم وغيرها الكثير.
بعد كل ذلك، أصبح من واجبنا البحث والتحرّي عن أفضل الأساليب لبناء تلك العقلية النامية في أطفالنا والسّعي لتأمين كل ما يلزم لتعزيزها وتطويرها بالشّكل المطلوب.
في هذا المقال، سنمنحكم فرصة ثمينة للاطّلاع على ثلاثة استراتيجيّات هامّة سوف تساعدكم على بناء العقلية النامية والصحيّة لدى أطفالكم. بالإضافة إلى طرح مجموعة من الأمثلة والخطوات العمليّة الّتي تساعد على توضيح ما هو مطلوب من الأبوين لجعل حياة أطفالهم المُستقبليّة أكثر راحة وسعادة بعقلية نامية تكون لهم زاداً يحملونه معهم ويعيشوا حياة أكثر استقراراً وأماناً.
3 استراتيجيّات لتعزيز العقلية النامية لدى الطّفل:

1- الخطأ ليست فشلاً وإنما فرصة هامّة للنّمو والتّطوّر
من أكثر الاستراتيجيّات الهامّة والضّروريّة لتعزيز العقليّة النّامية لدى الطّفل هي احتواء حالات الأخطاء والخسارة الّتي يمرّ بها والنّظر إليها بنظرة أكثر إيجابيّة وعدم الانجرار إلى مُنحدر الشّعور بالإحباط أو الانكسار، أو ردّات الفعل المُستهجِنة أو العنيفة!
احرصْ دوماً على تعليم أطفالك أنّ خسارة واحدة لا تعني الهزيمة الكاملة، والسّقوط المؤقت يعزز العزيمة للنهوض بقوّة من جديد ولا يُضعفها. انقلْ إليهم معرفتك، ومن خلال النّقاش الإيجابي والبنّاء، بالمعاني الصّحية لمفهومي النّجاح والفشل والأساليب الأفضل للتّعامل معها من خلال اتّخاذها كفرص هامّة لتنمية وتطوير الإمكانيات من أجل الانطلاق من جديد وتحقيق أفضل النّتائج.
لأنّ الآباء هم المصدر الرّئيسي لكل ما يراه الأطفال صحيحاً ومُهمّاً، فلابدّ أنّ يرى طفلك النّظرة الإيجابيّة والتّعامل الصحّي مع حالات الخسارة وارتكاب الأخطاء في سلوكيّاتك وردّات فعلك.
هُنا بعض النّصائح الهامّة للتّعامل مع حالات الفشل الّتي قد يتعرّض لها أطفالك بشكل صحّي بهدف بناء وتعزيز عقليّة نامية لديهم:
- في حال حصل طفلك على علامة تقدير منخفضة، بدلاً من معاقبته بقسوة، شجّعه على اتّخاذ ذلك كمُنطلق لتحسين إمكانياته وسدّ أيّ نقص في الموارد أو المعلومات لتحفيزه دوماً على تجاوز حالات الفشل بكل ثقة ومرونة، والتّغلب على الخسارة ببذل الجّهد الكافي وتحقيق النّجاح.
- عندما يُخطئ طفلك في التّعامل مع شخص مُسنٍّ، فإنّ توبيخَه بقسوة وعنف أو التّغاضي عن تصرّفه كلاهما ليس أسلوباً صحيحاً في تقويم سلوك طفلك، فالأفضل هو أن يعلم طفلك جيّداً سوء تصرّفه من خلال إخباره بذلك بشكل واعٍ وهادئ، ومن ثمّ حثّه على إصلاح الأمر بإبداء الأسف وتقديم الاعتذار.
- في الحالات الّتي يخرّب فيها طفلك ألعابه الخاصّة لمجرّد أنّها أصبحت قديمة بهدف شراء ألعاب جديدة، بدلاً من معاقبته بقسوة أو الانصياع لما يريد بالتعويض وشراء ألعاب جديدة، الأفضل من ذلك كلّه هو إخباره بأنّه لن يحصل على ألعاب جديدة، وأنّ الحلّ الوحيد أمامه يكمن في إصلاح ألعابه الّتي قام بتخريبها، وبالتّالي تُعزّز من معرفته بعواقب تصرّفه الخاطئ، (يستمر ذلك لمدّة زمنيّة إلى حين شعور وإدراك طفلك بأنّ تخريب ألعابه كان سلوكاً خاطئاً ومُكلِفاً).
2- لا يوجد طرق ثابتة لمعالجة المسائل وحلّ المشكلات
من الأساليب التّربويّة الخاطئة والّتي تعيق بناء العقلية النامية لدى الطّفل هي تعليمه بأنّ هناك حلول ثابتة كالقوالب الجاهزة لكل مشكلة أو تحدٍ يواجهه. بالإضافة إلى الدّور السّلبي الّذي تلعبه الأساليب التّعليميّة الخاطئة الّتي تحجّم عقليّة الطّالب وتحدّ من قدرته على التّفكير بحلول رياضيّة مختلفة للمسائل والأسئلة الّتي يواجهها في الاختبارات والواجبات المدرسيّة.
على طفلك أن يعي أنّ هناك حلولاً مختلفة ومتعدّدة للمشكلات الّتي تواجهه، كما يتوجّب على الآباء بناء عقليّة مرنة لدى الطّفل تساعده على التّحليل والاستنتاج وإيجاد الحلول الأنسب.
هُنا بعض الخطوات العمليّة الّتي تساعد الطّفل على التحلّي بالعقلية النامية ومرنة انطلاقاً من التّفكير بإيجاد الحلول الأنسب بدلاً من اتّخاذ الحلول الثّابتة والجاهزة:
- لا تساعدْ طفلك في حلّ واجباته المدرسيّة من خلال منحه الحلول الجاهزة، بل شجّعْه على مراجعة الدّرس ثم قراءة الأسئلة بتمعّن والتّفكير لإيجاد الحلول بنفسه.
- عندما يُقدم طفلك على تخريب كتاب زميله في الفصل، شجعّه على إيجاد حلول لمعالجة الأمر، ولا تقترحْ تقديم اعتذار بل اطلبْ إليه إيجاد الحلول بنفسه، قد يطرح حلولاً كإحضار كتاب جديد أو هديّة مع تقديم الاعتذار.
- ناقشْ طفلك دوماً حول القضايا والمشكلات الّتي تعترض أصدقائه الآخرين، واطلبْ إليه التّفكير واقتراح عدّة حلول والتي يمكن من خلال دعم تنمية عقليّته النّامية وقدرته على التّفكير والتّحليل.
3- الاعتراف بمكامن الضّعف أول خطوة نحو النّجاح
لكي يُحقّق طفلك النّجاح والتميّز لابدّ من الكشف عن مكامن ضَعفه وعدم التّغطية عليها، وهذا يؤسّس بالتّأكيد لبناء وتعزيز عقلية نامية وصحيّة. فالتّغاضي عن نقاط الضّعف والاكتفاء فقط بالمقدرات والإمكانيّات الموجودة (كمعدّل الذّكاء) ليس إلّا استراتيجيّة فاشلة لا تُفضي لتطوير الإمكانيّات وتحسين المقدرات، وبالتّالي لا ينتج عنها تطوير عقليّة صحيّة بحيث يعي الطّفل جيّداً أنَّ الذّكاء والمهارات الفكريّة العالية لا تعني أنّ ليس من واجبه بذل أي جهد أو تعب في تحقيق أفضل النّتائج. فقدرات الطّفل الّتي تكفيه اليوم لإنجاز مهمّة بسيطة حتماً لن تكون كافية لمهام مستقبليّة أكثر تعقيداً.
في الوقت الّذي يملك به طفلك القدرة على الاعتراف بمكامن ضعفه، ينبغي أيضاً أنّ يدرك جيّداً أنّ ذلك الضّعف لا يدوم، فبذل الجهد والمُثابرة يحسّن من مستواه ويطوّر إمكانياته ويقوّي نقاط ضعفه. بهذه العقليّة الصّحية سيستطيع طفلك تجاوز العقبات المستقبليّة ولن تكون عثرة في طريقه حين يعلم أنّه بالعمل الدّؤوب والتّدريب يمكن الوصول إلى أفضل النّتائج.
إليكم بعض النّصائح العمليّة لمساعدة أطفالكم على الاعتراف بنقاط ضعفهم والسّعي وبذل الجهد لتقوية تلك النّقاط:
- لا تنتظرْ من طفلك أنْ يكون مثالياً في أداء واجباته واختباراته المدرسيّة، بل شجّعه على كشف المهارات الّتي يشعر أنّها تحتاج لتحسين أو تعزيز من خلال أسئلة توجّهها لطفلك مثل: “هل تشعر أنّك تحتاج لشرح بعض المفاهيم في الرّياضيات؟”، “ما هي الأجزاء الّتي لم تفهمها بشكل جيّد في درس علم الأحياء وتحتاج لإعادة شرحها؟”.
- احرصْ على عدم تذكير طفلك بأيّ فشل سابق بشكل مُستمر من باب التّهديد بعدم الوقوع به مرّة أخرى، فتجاوز الفشل يكمن في كشف أسبابه والعمل على إصلاحها وليس التّذكير بها وترديدها بشكل مُستمر على مسمَع الطّفل.
إقرأ أيضا: دليلُك لمدح الطفل: 5 نصائح لمدح الطفل والإشادة به بطريقة صحيّة وفعّالة
إقرأ أيضا: تقدير الذات عند الأطفال: سبع استراتيجيات فعّالة لمساعدة الطفل
إقرأ أيضا: مقارنة الطفل نفسه بالآخرين: 4 نصائح لمساعدة الطفل على بناء شخصيّة مستقلّة
هل أعجبكَ المقال؟
هل تجد أنّه بات من المهمّ أن نسعى لبناء العقلية النامية والصحيّة لأطفالنا؟
وما هي الاستراتيجيّات الّتي ترى أنّها الأنجح للوصول لبناء تلك العقليّة؟
إذا أعجبك المقال، لا تنسَ مشاركته مع الأصدقاء.
كما يمكنك تنزيل المقال بصيغية PDF وقرائته لاحقاً من خلال الضغط على زر تنزيل
0 تعليق