
نسعى جميعاً كآباء ونعمل جاهدين لتقديم كلّ ما يلزم لأطفالنا بهدف جعل حياتهم أفضل، ولكن ما هو أفضل ما يمكننا تقديمه ؟!، إنَّ جعل حياة طفلك أفضل لا يعني مطلقاً أن تكون درعاً يحمي طفلك من الانخراط في المجتمع وأن تواجه تحدّياته وتعالج مشكلاته بدلاً عنه! الجواب باختصار هو ألا توفّر جهداً بمنح طفلك عقليّة التّفكير الصّحيّة والسّليمة بحيث تكون بمثابة القاعدة المتينة الّتي من خلالها ينطلق نحو الحياة بمصاعبها وتحدّياتها بكل شجاعة وثقة ويتعامل مع مختلف الظّروف والمواقف بالطّرق المُناسبة. الإيمان بأنّ القدرات والمهارات يمكن تطويرها، الاعتماد في تحقيق النّجاح على السّعي والاجتهاد، معالجة المشكلات والقضايا بطرق عقلانيّة، تقبّل حالات الفشل والخسارة كفرص هامّة للتطوّر، والاعتقاد بأنّه لا وجود للمثالية في نتائج الاختبارات أو تنفيذ المهام المختلفة … كل ذلك ينطوي تحت ما يسمى بعقلية نامية.
من المهم أن يدرك الطّفل من عمر مبكّر أنّ عليه أن يبني ويطوّر عقليّة تفكير تقوده لامتلاك المهارات الفرديّة والحياتيّة الصّحيحة اللّازمة، ومن هُنا نرى أنّه لابدّ من تفعيل دور الأبوين بشكل جاد وبنّاء لغرس بذور العقليّة النّامية لدى أطفالهم، فهذه المسؤوليّة تقع على عاتقهم من خلال اتّباع الأساليب التّربوية الصّحيحة والاستراتيجيّات الصّحيّة لتنشئة طفل يمتلك عقلية تكفير نامية وبالتّالي شخصيّة متوازنة تمتاز بمهارات فكريّة، فردية واجتماعيّة تكون جزءاً من نمط حياة صحّي متكامل يعيشه الطّفل ويحمله زاداً في جعبته إلى المستقبل.
في هذا المقال سنقدّم ثلاثة من أهمّ الاستراتيجيّات الّتي يمكن اتّباعها مع الأطفال لمنحهم عقليّة نامية وصحيّة.
3 استراتيجيّات لبناء عقلية نامية لدى الطّفل:

1- الاستراتيجيّة الأولى لبناء عقلية نامية لدى الطّفل: الآباء هم القدوة الحَسنة لأطفالهم
قبل السّعي لمنح طفلك العقليّة النّامية لابدّ أن تتحلّى بها أولاً، فأنتَ المثال الأعلى لطفلك ومعلّمه الأوّل، حيث أن سلوك الأبوين من أقوال وأفعال له الدّور الأهم في تكوين عقليّة الطّفل وضبط سلوكيّاته، فلا يمكن أن تطلب من طفلك أمراً أنت لستَ مُعتاداً على القيام به، فمثلاً من الصّعب أن تقنع طفلك بأضرار التّدخين وتناول المشروبات الكحوليّة في الوقت الذّي يشاهدك فيه تشرب كأساً مع النبيذ مع سيجارة وأنت مُتكّئ على الأريكة.
المثال الّذي قمنا بطرحه ما هو إلّا مثال بسيط عن تأثّر الأطفال بأفعال أبويهم، وهذا بالطّبع ينسحب على الكثير من السّلوكيات والأفعال الأكثر أهميّة فسّمات الصّدق، اللّطف، الشّجاعة، الثّقة بالنفس وتقدير الذّات يكوّن فيها الطّفل بداخله أساسها بناءً على ما يشاهده ويسمعه من أفعال وأقوال أبويه.
بالعودة إلى العقليّة النّامية وبناءً على ما تقدّم، فإنَّ بناءها وتطويرها لدى الطّفل مشروط بشكل أساسي بامتلاك الأبوين لتلك العقليّة بل وممارستها في الحياة اليوميّة للطّفل، هنا بعض النّصائح الهامّة الموجّهة للأبوين للتّقيّد بالتّفكير وفق العقليّة النامية بهدف نقلها إلى أطفالهم:
- تعاملْ مع المشكلات والمصاعب بحكمة وتروّي بدلاً من إظهار الانفعالات السّلبيّة كالقلق، التّذمّر أو التّوتر، أظهرْ لطفلك أنّ لكلّ مشكلة حلول مختلفة ومتنوّعة، فعندما تفقد مفاتيحك أو محفظتك، بدلاً من الصّراخ وإثارة القلق أمام أطفالك، عالجْ المشكلة بحلول عقلانيّة ومُناسبة كالبحث في الأماكن الّتي تواجدّتَ فيها مؤخّراً.
- لا تتهرّبْ من دعوة أحد الأقارب لك باتّصال هاتفي بحجّة أنّك متعب وطفلك ينصت لمحادثتك ويشاهدك كيف أنّك تكذب وأنت تتحضّر للذهاب إلى حفلة أحد الأصدقاء، فلا تستغربْ إذا قام طفلك بإخفاء الحقيقة عنك مستقبلاً، بدلاً من ذلك كن صادقاً وقدّم عذراً مُناسباً بعيداً عن الكذب.
2- الاستراتيجيّة الثّانية لبناء عقلية نامية لدى الطّفل: الفشل لا يعني النّهاية وإنّما فرصة للتطوّر
من أهم الدّعامات الّتي على أساسها يتمّ بناء وتطوير العقلية النامية هي الإيمان الحقيقي بأنّ الفشل لا يمثل خيبة أو انكسار نهائي، والاعتقاد الرّاسخ بأنّ كل خسارة أو فشل ما هي إلّا فرص هامّة لمراجعة أخطائنا والعمل على تصويبها لتحسين مهاراتنا وتطويرها.
الوقوف عند حالات الفشل والتحسّر على الحال هو نتيجة للتّفكير بعقليّة ثابتة تحمل صاحبها للدخول في دائرة مغلقة بحيث لا يراوح مكانه ولا يتقدّم أو يتطوّر، تطوير أسلوب التّفكير الصّحي والنظرة الإيجابية لدى الطّفل تجاه الفشل معتمدة بشكل أساسي على ردود أفعال الأبوين وطريقة تعاطيهما مع حالات الفشل الّتي لاشك أنّها ستواجه طفلهما يوماً ما، فهما يقرّران نمط التفكير الّذي يريدان لطفلهما أنْ يمتلكه، فالانفعالات السّلبية تجاه فشل الطّفل كالغضب، إلقاء اللّوم على الطّفل، الشّعور بالخيبة، التّوبيخ أو المحاسبة تأخذ الطفل باتجاه التّفكير بعقلية ثابتة غير منفتحة، وأمّا التّعامل مع الموقف بطرق صحيّة وسليمة كاحتضان الطفل، مساعدته للبحث في الأسباب وتصويب الأخطاء ونقاط الضّعف، العمل على تطوير الإمكانيات وتحسين الأداء تقود نحو التّفكير بعقلية نامية، مرنة وصحيّة تساعد الطّفل على استنهاض الهمّة والعزيمة، تقدير الذّات وعدم الاستسلام.
- لا توبّخْ طفلك بقسوة بسبب نتائج الاختبارات المدرسيّة المُنخفضة، فأنت بذلك تقتل أيّ محاولات بداخله للنهوض من جديد وتعويض تلك النّتائج، بدلاً من ذلك، تعاملْ مع الأمر بهدوء وعقلانيّة، احتضنْ طفلك وشجّعه على اتّخاذ تلك النتائج منطلقاً وفرصة هامّة للتطوّر والتّقدم بمقولة من قبيل “لابأس، نحنُ نفشل أحياناً، ولكن علينا أن نتعلّم من ذلك ونبذل جهداً إضافياً كي نصلَ إلى النّجاح.”
- احرصْ على مساعدة طفلك في تقبّل الخسارة الّتي قد يتعرّض لها في الأنشطة الرّياضيّة أو المنافسات المختلفة الّتي قد يخوضها، ففي حال خسر طفلك في مباراة كرة القدم، احرصْ على توضيح معنى الخسارة كفرصة هامّة لتطوير الإمكانيات وتحسين الأداء وأنّها حالة صحيّة وضروريّة كي نشعر بمعنى الفوز الحقيقي لاحقاً.
3- الاستراتيجيّة الثّالثة: المهارات يمكن تنميتها وتطويرها
يعتقد الكثير من الآباء والأمّهات بأنّ امتلاك طفلهم لمهارات فكريّة أو مستوىً عالٍ من الذّكاء يعتمد بشكل كامل على العامل الموروث أو في بعض الأحيان على الحظ!، وهذا الاعتقاد طبعاً هو اعتقاد خاطئ وليس حقيقياً. لاشك أنّ بعض الأطفال يمتلكون مهاراتٍ ومواهبَ من عمر مُبكّر وهذا قد يعود لعدّة عوامل أحدها العامل الوراثي، والبيئة الّتي يعيش فيها الطّفل والّتي تسمح بإظهار تلك المهارات، بالإضافة إلى عامل التّربية وطرق التّعاطي مع الطّفل من قبل أبويه والمحيطين به، ولكن مما لاشكّ فيه أنّ تلك المهارات لا يمكن أن تتطوّر وتتحسّن من تلقاء نفسها، ومن هنا تأتي العلاقة الوثيقة بين العقليّة النّامية من جهة وتطوير المهارات وتحسين الأداء من جهة أخرى، فعند امتلاك العقلية النّامية تقود صاحبها إلى الاعتقاد الرّاسخ بأنّ مهاراتِه وإمكانياته تتطوّر وتتحسّن ببذل الجهد والعمل الدّؤوب وهذا الاعتقاد هو أحد الأسس لبناء عقليّة نامية لدى الطّفل، ولهذا إليكم بعض المقترحات لترسيخ أهميّة بذل الجهد في عقول أطفالكم لتطوير مهاراتهم وتحسين أدائهم :
- كنْ حريصاً عند وصف طفلك بهدف مدحه واخترْ كلماتِك بعناية، فما تقوله لطفلك يأخذهُ الطّفل على محمل الجدّ ويعمل به تلقائياً، فبعضُ الصِّفات الّتي قد تنعت طفلك بها من قبل “طفل ذكي”، “أنت طفل لا مثيل لك” أو “أنت طفل عبقري!” … بهذا الوصف تبني لدى طفلك العقليّة الثّابتة حيث يعتقد أنّه قد أنجز مهامّه على أكمل وجه ووصل إلى ذروة النّجاح باستحواذه على هذه الإشادة المبالغ فيها منك ولا حاجة لبذل أي جهود إضافيّة، فبدلاً من ذلك يمكن تعديل تلك العبارات بأخرى أكثر ملائمة وصحّة مثل “طفل مُجتهد “، “أنت من الأطفال المثابرين” أو “أنت طفل موهوب، عليك أنت تعمل بجد لتطوير تلك الموهبة”.
- في حال كانت مهارات طفلك وإمكانياته كافية لإنجاز واجباته واختباراته المدرسيّة في الوقت الحاضر على أكمل وجه، هذا لا يعني أنّه لا يتوجّب على طفلك بذل الجهد لتطويرها، شجّعْ طفلك على تحسين إمكانياته ومهاراته من خلال رفع مستوى التحدّيات والاختبارات وكسب المزيد من المهارات المعرفيّة.
إقرأ أيضاً: عقلية النمو والعقلية الثابتة: ثمان طرق لتغيير عقلية طفلك إلى عقلية نمو مرنة
إقرأ أيضاً: طفل مسؤول أم طفل مُطيع؟ 4 استراتيجيّات لتربية طفل مسؤول
إقرأ أيضاً: دليلُك لمدح الطفل: 5 نصائح لمدح الطفل والإشادة به بطريقة صحيّة وفعّالة
هل أعجبك المقال؟
هل تجد أنّه من المهم أن يمتلك أطفالك عقلية نامية؟
وما الخطوات الّتي تودّ القيام بها لمنح طفلك تلك العقليّة؟ إذا أعجبكَ المقال، شاركْه مع الأصدقاء
0 تعليق