
يقعُ على عاتقنا كآباء مسؤوليّة رعاية وتنشئة أطفالنا من خلال بناء شخصيّة طفل ناجح ومُستقل بتنمية وتعزيز كافّة المهارات اللازمة لهم وهم بجوارنا اليوم لكي يتمكّنوا لاحقاً من العيش باستقلالية وبشكل صحّي وآمن في مجتمعٍ واسعٍ يخوضُ فيه الطفلُ مختلفَ الظّروفِ والمواقف، وعندها إنْ لم يكنْ طفلك مُحصّناً ومُجهّزاً بالشّكل المطلوب فقد يتعرّض للخيبة والإحباط ويكون مُفتقداً للقدرة على التّعامل مع تلك الظروف والمواقف بعقلانية وبشكل صائب وإيجابي.
سنتطرّق في هذا المقال إلى أهمّ تلك المهارات التي يتوجّب علينا كآباء رعايتُها وتعزيزُها لدى أطفالنا لتنمية عقليّة صحيّة ومرنة، وشخصيّة قويّة ومستقلّة قادرة على مواجهة مُختلف العوامل والظّروف والتّعامل البنّاء والصّائب مع كافّة المواقف.
خمسُ مهاراتٍ هامّة من الضّروري تنميتُها وتعزيزُها لبناء شخصيّة طفل ناجح ومُستقل:

1- مهارة تنظيم الوقت
تبدو مهارة تنظيم الوقت وإدارته بشكل صحيح غريبة في بعض الأحيان بالنسبة للأطفال الصّغار أو قد تبدو لهم كتقييد لحرّيتهم!، فهم يلعبون متى يشاؤون ويقومون بجميع أنشطتهم اليوميّة في الأوقات التي يرغبون بها، فالسّاعات والدّقائق لا تعني لهم شيئاً سوى أنّه مجرّد وقت ويمضي، يبدأُ الطفل بتعلّم واكتساب المعرفة حولَ تنظيم الوقت وأهميّته عند دخوله المدرسة فيلاحظ فصولاً دراسيةً مقسّمة زمنياً تتخلّلها استراحات بفترات زمنية مُحدّدة بالإضافة إلى التقيّد والالتزام بمواعيد وصوله إلى المدرسة وعودته إلى المنزل.
من المهم تنمية مهارة تنظيم الوقت عند الأطفال من سن مبكّر لما لها فوائد في بناء شخصيّة مُنظّمة للطّفل من خلال إدراكه أهميّة الوقت وتحديد الأولويات في استثماره بشكل مُفيد وصحّي، ولتنمية تلك المهارة عند الأطفال من سن مُبكّر(قبل دخول المدرسة) أهميّة بالغة من أجل تحضير الطّفل وتهيئته بشكل كافي لتعلّم قواعد الالتزام الزمني، ففي حال لم يكنْ الطفل مهيأً بشكل كافي سيجد صعوبة بالغة في الالتزام والتقيّد في فصول دراسيّة قد تبدو تقييداً لحريّته، ما يضطّر الأبوان لاتّباع سلوكيات مُرهقة وخاطئة كمحاولات التّرغيب، وفي بعض الأحيان الإجبار!
إنّ تنمية مهارة تنظيم الوقت وزرع أول برعم داخل الطفل ليتعلّم إدارة وقته بشكل صحيح هي مسؤوليّة تقع على عاتق الأبوين في المقام الأول من خلال إعطاء أهميّة للوقت، إليكم بعض النّصائح لتنمية وتعزيز مهارة تنظيم الوقت لدى الطفل:
- تحديد ساعات مُعينة من أجل اللّعب، التعلّم، زيارة الأصدقاء …
- الالتزام بمواعيد محدّدة للأنشطة والأعمال اليومية كتناول الطعام، ممارسة الأنشطة الرّياضيّة، النّوم والاستيقاظ وغيرها
- التّأكيد على أهميّة الوقت واستثماره بشكل مُفيد عند محاورة الطّفل حول الالتزام الزمني في جميع المهامّ والوظائف المُوكلة للطفل.

3- مهارة حلّ المشكلات
عادةً ما يلجأ الأطفال إلى محاولات الهروب والاختباء عند مواجهة مُشكلة في المنزل أو المدرسة أو في أيّ مكان آخر، حيث يجد الطّفل الّذي يفتقد لمهارة حل المشكلات صعوبة بالغة في اتّخاذ أيّ خطوات عمليّة في سبيل حلّ المُشكلة وفي الكثير من الأحيان يلجأ الطّفل إلى الاستعانة بالآخرين لمواجهة مُشكلة معيّنة قبل المحاولة أو حتّى مجرّد التّفكير في حلّها.
سواء كان طفلك يجد صعوبة في فهم مسألة الرياضيات، أو يواجه مُشكلة مع أحد أصدقائه أو يتعرّض لانتقاد لاذع وجارح من شخصٍ ما فإنّ منح الطّفل الحلول الجاهزة لتلك المشكلات ليست استراتيجيّة صحيحة وبنّاءة من أجل بناء وتعزيز عقلية مرنة وصحيّة وشخصيّة قوية لدى الطّفل تجعله قادراً على التفكير من أجل إيجاد الحلول المناسبة بنفسه وتمنحه الجرأة الكافية لاتّخاذ الخطوات العمليّة في سبيل حل أيّ مشكلة قد يواجهُها.
إنّ لتعزيز مهارة حل المشكلات عند الأطفال أهميّة بالغة في تحسين الصحة العقليّة لديهم من خلال تعزيز المحاكمة العقليّة لدى الطّفل لربط أسباب المُشكلة بالنتائج المترتّبة عنها والبحث في الحلول المناسب لها حيث يمكن اعتبار أي موقف سلبي قد يتعرّض له الطفل داخل المنزل أو خارجه بمثابة مشكلة، وبذلك تبني شخصيّة طفل ناجح ومستقل في حلّ المُشكلات وتجاوز العقبات التي قد تواجههُ، إليكم بعض الخطوات العمليّة لاستراتيجية هامّة من أجل تنمية وتعزيز مهارة حلّ المشكلات لدى الطّفل وسنفترض أن طفلك قد حصل على درجة تقدير منخفضة في الاختبار ويجد صعوبة في فهم وإدراك المشكلة وإيجاد السّبيل لحلّها :
1- تحديد المشكلة:
قد يظنّ الطفل أن انزعاج الأبوين أو خسارة مدحهم واهتمامهم به هو المشكلة بسبب حصوله على علامة تقدير منخفضة أو أن مجرّد حصوله على تلك العلامة هي المشكلة بحد ذاتها، من المهم أن يكون الطفل قادر على تحديد المشكلة والتي هي “عدم امتلاكه المعلومات الكافية لأداء الاختبار بعلامة تقدير عالية”.
2- تحديد أسباب المشكلة:
قد يُرجع الطّفل سبب المشكلة إلى صعوبة أسئلة الاختبار، وفي بعض الأحيان يطغى العامل العاطفي فيبرّر الطفل حصوله على علامة تقدير منخفضة بسبب القلق والتّوتر أو بسبب حظّه السّيئ!
من المهم أن يدرك الطفل سبب المشكلة بشكل واقعي ويعلم أن عدم بذله الجهد الكافي أثناء التحضير للاختبار أو غياب عامل التركيز أثناء التحضير وعدم فهمه للمعلومات بشكل كافي هي الأسباب الحقيقيّة لحصوله على علامة تقدير منخفضة.
3- إيجاد الحل الأنسب:
ترتبط حلول أي مشكلة في الأسباب الحقيقيّة لحدوثها، فعدم بذل الجهد الكافي من أجل الاختبار أو غياب عامل التركيز خلال الدراسة والتّحضير من أجل الاختبار يتطلّب من الطّفل بذل المزيد من الجهد من أجل الاختبارات القادمة بالإضافة إلى مساعدة الطّفل على فهم كافّة المعلومات المتعلّقة بالاختبار وتوفير البيئة الصّحية من أجل التحضير والدراسة بتركيز في جو هادئ وصحّي.
لمزيد من المعلومات حول مهارات حل المشاكل عند الأطفال يمكن الرجوع إلى مقال “حلّ المشكلات للأطفال: دليلك العملي لتعليم هذه المهارات” عن طريق الرابط.
3- مهارات التّواصل
تتجاوز العوامل التي تُساعد الطّفل على تنمية مهاراته في التّواصل الإيجابي والبنّاء مع الآخرين حدودَ المنزل إلّا أنّ اللَّبِنة الأساسيّة في اكتساب وتعزيز مهارات التّواصل تبدأ من المنزل، حيث يلعب الأبوان الدورَ الأهمَّ في تنمية قدرات الطّفل على التّواصل وتعزيز لُغة الحوار البنّاء والإيجابي مع الآخرين.
لا يواجه الطّفل الّذي يفتقد لمهارات التّواصل مع الآخرين مشاكل اجتماعيّة فحسب، بل يتعدّى ذلك إلى أزمات عاطفيّة تؤثّر سلباً على صحّة الطّفل النّفسية فتعيق بناء عقليّة مرنة بحيث يكون الطّفل قادراً على الاندماج بشكل صحّي في مجتمعٍ لا يمكنهُ أنْ يعيشَ فيه منعزلاً عن الآخرين، حيث يتطلّب من الطّفل أن يتواصل بشكل دائم مع زملاء المدرسة والمعلّمين وأن يتعامل مع العديد من الأشخاص في حياته بمختلف شخصيّاتهم وطباعهم وسماتهم، بالإضافة إلى أنّ مهارات التّواصل الاجتماعي تساعد على تنمية شخصيّة طفل ناجح اجتماعياً من خلال إدراكه أهميّة التأثّر الإيجابي والاقتداء بالسّلوكيات الجيّدة وتبنّي الأفكار والمبادئ الإيجابية والصّحية الّتي تتوافق مع عقليّته المرنة وشخصيّته المُستقلّة.
إليكم بعض النّصائح الّتي تساعد في بناء وتعزيز مهارات التّواصل الإيجابي والبنّاء لدى الطّفل مع الآخرين:
- إشراك الطّفل في الأنشطة التّفاعليّة كالنّوادي الريّاضيّة والمعاهد الموسيقيّة وغيرها.
- تشجيع ومساعدة الطّفل على تكوين صداقات جيّدة.
- تعزيز الحياة الاجتماعيّة للأسرة من خلال زيارة الأقارب واصطحاب الأطفال إلى الفعاليات والأماكن الّتي يتواجد فيها العديد من الأطفال كالحفلات الموسيقيّة ومسرحيات الأطفال التي تُقام في المدرسة …
- تعزيز مهارات الطّفل في إجراء الحوارات الإيجابيّة مع الآخرين من خلال تطوير لغة الكلام وتحفيز الطّفل على اكتساب المهارات العاطفيّة كإبداء الحماس والتّعاطف مع الآخرين.

4- مهارات التعلّم الذّاتي
إنّ إحدى أهمّ الاستراتيجيات التي يُنصح باتّباعها مع الأطفال لبناء شخصيّة طفل ناجح ومُستقل ولتعزيز عقليّة مرنة وصحيّة هي تحفيز الطفل وتشجيعه من أجل البحث عن المعلومات بنفسه لتعزيز مهاراته في التعلّم الذّاتي والابتعاد عن تلقّيها بطرق التلقين التقليديّة التي تحدّ من تطوّر الجانب الفكريّ والإبداعي لدى الطّفل وتعزّز العقليّة الثّابتة المبنيّة على أفكار جاهزة، ولعلّ التقدّم الهائل في التكنولوجيا أتاحَ للطفل الوسائل التعليميّة اللّازمة للبحث والتحرّي عن كافّة المعلومات وإغناء المعرفة بشكل ذاتي ومُستقل مع التأكيد على إشراف الأبوين على إدارة عمليّة التعلّم الذّاتي للطّفل بشكل آمن وصحّي وتحفيزه دوماُ لمناقشة أيّ معلومات يتلقّاها بشكل منطقي وعقلاني من خلال البحث في الأسباب والبراهين التي تُثبت فيما إذا كانت تلك المعلومات صحيحة أم خاطئة، حيث أثبتت الدّراسات أنّ تعلّم الطفل من خلال بحثه عن المعلومات بنفسه تعد استراتيجية أكثر نجاحاً من عمليّة تلقّي تلك المعلومات من معلّم.
يلعب الأبوان دوراً مهمّاً في إدارة عمليّة التعلّم الذّاتي لدى طفلهم وتعزيز مهارات الطّفل في سبيل تطوير تلك العمليّة من خلال التجاوب مع جميع التّساؤلات التي قد يطرحها الطّفل على أبويه، فعادةً ما يرى الأبوان أسئلة أطفالهم الصّغار بسيطة وساذجة ولا تستحق الإجابة!، إن مفتاح بناء عقليّة طفل مرنة تدفعهُ نحو البحث عن المعلومات انطلاقاً من حماسه واندفاعه وحبّه للاكتشاف هي احتوائه من قبل أبويه ورعاية تلك العقليّة ابتداءً من طرح الطّفل الصّغير تساؤلاً بسيطاً حول سبب طفوّ الخشب على سطح الماء وانتهاء بحصوله كطالب جامعي على شهادة دراسات عُليا في الفيزياء !
إليكم بعص الطرق التي يُنصح باتّباعها مع الطّفل لتنشيط وتعزيز مهارات التعلّم الذّاتي لديه:
- حثّ الطفّل على البحث عن المعلومات بنفسه.
- التجاوب الإيجابي مع كافّة تساؤلات الطّفل مهما بلغت من الغرابة أو البساطة.
- تشجيع الطفل على تعزيز المحاكمة العقليّة لديه لنقض أو إثبات صحّة المعلومات التّي قد يتلقّاها.

5- مهارة إدارة العواطف
في بعض الاحيان، قد يغفل الأبوان أثناء رعاية وتربية أطفالهم وسعيهم لبناء شخصيّة قويّة ومُستقلة وعقليّة صحيّة ومرنة لدى الطّفل عن رعاية الصّحة النّفسيّة والجانب العاطفي للطّفل الّذي قد يعيق تنمية وتعزيز مهارات ومواهب متنوّعة لدى الطّفل، فمشاعر الحزن واليأس قد تمنع الطفل من إيجاد الحلول المناسبة لمشكلةٍ قد يواجهها، أو عواطف الحب الجارف للطفل تجاه أبويه قد تعيق بناء شخصيّة قويّة ومستقلّة لديه.
يقع على عاتق الأبوين مسؤوليّة الرّعاية النّفسيّة لأطفالهم، وذلك من خلال إجراء حوارات بنّاءة وإيجابيّة تمنح الطّفل فرصة إبداء مشاعره وتفريغ الطاقة السّلبية التي قد تسيطر على عقليّة الطّفل وتنمّي لديه تفكير سّلبي مبنيّ على عواطف وهميّة في بعض الأحيان ومشاعر سّلبية تبني تصوّرات واهية قد تدفع الطّفل إلى إبداء ردّات فعل عاطفيّة خطيرة، فإفراغ تلك المشاعر والعواطف وإعطاءها حجمَها الحقيقي يلعبُ دوراً حيويّاً في بناء وتعزيز شخصيّة طفل قويّ، ناجح ومُستقل، كما تُساعد الطّفل على تطوير كافّة مهاراته وإمكانياته بشكل إيجابي وناجح وحماية الطّفل من الأزمات العاطفيّة الحادّة التي قد تحوّل طفلاً سعيداً قويّاً إلى طفلٍ يائسٍ ضعيفِ الشّخصيّة !
إنّ تحفيز الطّفل وتشجيعه على إدارة عواطفه بشكل آمن لا تساعد الطّفل على بناء شخصيّة مُفعمة بالحيويّة والطّاقة الإيجابيّة فحسب، بل تحمي الطّفل من العواقب المترتّبة على صحّة الطّفل النّفسيّة من الأمراض الاجتماعيّة والسّلوكيات السيّئة الّتي قد يتعرّض لها الطّفل خارج حدود المنزل كالإساءة والتنمّر ومحاولات إضعاف العزيمة من خلال النقد الجارح والهدّام.
فيما يلي بعض النصائح الهامّة المُوجّهة للآباء لرعاية الصّحّة النفسيّة لأطفالهم وتعزيز مهارات الطّفل في إدارة عواطفه:
- تحفيز الطّفل على إبداء مشاعره وعدم كبتها. لمزيد من المعلومات يمكن الرجوع إلى مقال: “تحفيز الطفل من خلال 10 استراتيجيات فعّالة” من خلال الرابط.
- احتواء الطّفل والتّجاوب مع كافّة حالاته العاطفيّة (الحزن، الغضب، السّعادة، الحماس … (
- ممارسة النّشاطات البدنية الّتي تُساعد الطفل في تحسين حالته المزاجّية. لمزيد من المعلومات يمكن الرجوع إلى مقال: ” أهمية النشاطات الرياضة للأطفال: 5 أسباب توضح أهميّة الرّياضة في حياة الطفل” من خلال الرابط

إقرأ أيضا: أهميّة امتلاك الطّفل لعقلية نامية و3 استراتيجيات لبناء تلك العقليّة لدى الأطفال
إقرأ أيضا: الادخار و5 استراتيجيات حول كيفية إكساب الطفل هذه المهارة
إقرأ أيضا: اللطف عند الأطفال وخمس طرق لتعزيز مفهوم اللطف والتعاطف مع الآخرين
بعد قراءة المقال، هل تعتقد أنّ طفلك يملك كافّة المهارات السّابقة؟ وإلّا فهل تنوي اتّباع النصّائح في تنمية تلك المهارات وتعزيزها لدى طفلك؟
إذا أعجبك المقال، لا تتردّد في مشاركته مع الأصدقاء لتعمّ الفائدة على الجميع.
كما يمكنك تنزيل المقال بصيغية PDF وقرائته لاحقاً من خلال الضغط على زر تنزيل
0 تعليق