
أحد أبرز الأهداف الّتي يتمنّى الآباء تحقيقَها خلال تربيتهم لأطفالهم ويعملون جاهدين من أجل ذلك يتمثّل في تنشئة وتربية طفل مسؤول؛ أيّ طفل يشعر بالمسؤوليّة تجاه ما يجب أن يقوم به وما يجب أن يتجنّبه. ولكن في بعض الأحيان يعتقد الآباء أنّ اتبّاع بعض الأساليب التربويّة الّتي تأخذ طابعاً من القسوة مع أطفالهم تبني وتعزّز لديهم شعورَهم بالمسؤوليّة. ومما لاشكّ فيه أنّ استخدام بعض الطّرق التّربويّة الجديّة والحازمة لها دور فعّال في تعزيز ذلك الشّعور لدى الأطفال، ولكن هل هذا يكفي؟ وهل الإفراط في تلك الجديّة عند تربية الطّفل يمكن أن يأتي بنتائج عكسيّة؟!
التزام الطّفل بالوعود وعدم نقضها، إحساسُه بأنّه فرد يمكن الاعتماد عليه، كتمه للأسرار والامتناع عن البوح بها، السّعي والاجتهاد الذّاتي لتحقيق أفضل النّتائج الدّراسيّة، الاعتراف بالخطأ والرجوع عنه والعمل على تصويبه … كل تلك السّلوكيّات الإيجابيّة هي نتائج طبيعيّة لاتّسام الطّفل بصفة هامّة وضروريّة وهي المسؤوليّة.
غالباً ما يخلط الآباء بين طاعة أبنائهم وإحساسهم بالمسؤوليّة، فالغاية الأهم هُنا هي تربية طفل يشعر بالمسؤوليّة تجاه ما يجب القيام به بدلاً من طاعته والتزامه بالقيام بأمور لمجرّد أنّ من واجبه ذلك!
ما يفصل بين إحساس الطّفل بالمسؤوليّة من جهة وطاعته من جهة أخرى هو إدراك الطفل أسباب دفعه لاتّباع سلوكيّات صحيحة والدّوافع الحقيقيّة وراء حثّهِ على عدم القيام بسلوكيّات خاطئة، بالإضافة إلى معرفته بالنّتائج والعواقب المترتّبة عن تلك السّلوكيّات والتّصرفات على اختلافها.
إجبار الطّفل تحت الضّغط أن يقول الحقيقة وأن يبتعد عن الكذب لا يعني أنّه سيكون صادقاً دائماً، فتنمية سمة الصّدق تبدأ من تعريف الطفل للأسباب الّتي تحتّم عليه أن يكون صادقاً كالصّدق منجاة من الوقوع في المشاكل، والشّخص الصّادق هو مصدر ثقة للآخرين … بالإضافة إلى إدراكه بالعواقب الحقيقيّة النّاتجة عن الكذب والتماسه إيّاها بنفسه كتعرّضه لموقف محرج نتيجة عدم قوله الحقيقة وعدم محاولة الآباء التّغطية على أطفالهم في المواقف الّتي يكذبون فيها، فبذلك تبدأ عقليّة صحيّة بالنمو لدى الطّفل بحيث يدرك بشكل عملي وصحيح أهميّة الصّدق ومساوئ الكذب انطلاقاً من شعوره بالمسؤوليّة تجاه السّلوكيّات الّتي عليه اتّباعها واتّخاذ مواقف أكثر إيجابيّة ومسؤولة بسبب درايته الكافية بالأسباب والعواقب النّاتجة عن قول الحقيقة أو الكذب.
أربع استراتيجيّات فعّالة لتربية طفل مسؤول

1- اشرحْ لطفلك الأسباب بدلاً من إجبارهِ على القيام بالأمور الصّحيحة
يتعلّم الأطفال القيام بالأمور الصّحيحة انطلاقاً من معرفتهم بالأسباب الحقيقيّة لوجوب القيام بها، ولكن قد يتبّع بعض الآباء أساليب خاطئة من خلال إجبار أطفالهم على اتّباع السّلوكيات الصّحيحة مُعتقدين أنَّهم بتلك الطريقة يساهمون في بناء وتنمية شخصيّة طفل يشعر بالمسؤوليّة تجاه ما يجب أن يقوم به!
إطاعة الطّفل وخضوعه لرغبة أبويه في حُسن التّصرّف لا يعني أنّه يتحلّى بالمسؤوليّة تجاه ما يجب أن يقوم به، فهذه الطّاعة سرعان ما ستقلّ أو تختفي بغياب سلطة الآباء أو آليّات الإجبار المفروضة على الطّفل، حيث يجد الطّفل بغياب تلك السّلطة نوعاً من التحرّر!
عندما يفهم الطّفل أسباب دفعه لاتّباع السّلوكيات الصّحيحة وحثّه على التّحلّي بسمات إيجابيّة، تصبح تلك السّلوكيات والسّمات جزءاً لا يتجزّأ من شخصيّته ما ينمّي لديه الدّوافع والرّغبة الذّاتية لاتّخاذها منهجاً وسلوكاً فرديّاً من خلال النّظر إليها بعقليّة صحيّة كمسؤوليّات يتوجّب عليه اتبّاعها من خلال ربطها بالأسباب.
عندما يُخطئ طفلك في التّصرّف مع معلّمته داخل الفصل الدّراسي، بدلاً من إجباره على تقديم الاعتذار، اشرحْ له الأسباب الّتي تجعل تصرّفه خاطئاً ثم اطلبْ إليه اقتراح الحلول المُناسبة لمعالجة الموقف وتصحيح سلوكَه الخاطئ، لعلّهُ سيذهب إلى معلّمته ويُبدي تأسُّفَه عن إدراك وقناعة تامّة وسيكون ذلك الموقف بمثابة درس يعلّمه تحمّل مسؤوليّة سلوكيّاته الخاطئة لاحقاً وطرق معالجتها بالطّرق المُناسبة.
2- كنْ نموذجاً مُرشداً لطفلك بدلاً من إلقاء الخطابات
يمكن لجميع مُحاولات الآباء في تنمية الشّعور بالمسؤوليّة لدى طفلهم أن تبوء بالفشل إذا لم يرَ الطّفل ذلك جليّاً في سلوك أبويه، فالأطفال يتطلّعون إلى سلوكيّات وسمات آبائهم على أنّها النموذج المثالي والأفضل وسرعان ما يبدأون في تشرّب تلك السّمات والسّلوكيّات وتقمّص شخصيّة آبائهم بكلِّ تفاصيلها.
يتعلّم الطّفل التحلّي بالمسؤوليّة تجاه ما يجب أن يقوم به وما يجب أن يمتنع عنه عندما يجد أبويه يتمتّعان بتلك العقليّة، فإلقاء الآباء للخطابات الأخلاقيّة الرّنانة على أطفالهم وإعطائهم النّصائح والتّوجيهات المتكرّرة لن يُجدي نفعاً إذا لم يعمل بها الآباء ويراها الأطفال بشكل عملي في تصرّفات آبائهم.
حين تقوم بكسر المزهريّة الّتي تمّ وضعُها على حافّة طاولة المائدة، بدلاً من الصّراخ أمام أطفالك وطرح السّؤال “من وضع المزهريّة هنا ؟!” وإعطاء أوامرَك بالتّنظيف، عليك التحلّي ببعض المسؤولية من خلال القول “لم أكن منتبهاً لها، يجب أن أقوم بتنظيف المكان.”، سينمّي ذلك التصرّف شعور أطفالك بالمسؤوليّة تجاه أخطائهم المقصودة وغير المقصودة، وعدم التهرّب من تلك المسؤوليّة بالإضافة إلى التّفكير في معالجة الأخطاء بالشّكل المُناسب.
3- لتربية طفل مسؤول دعْ طفلكَ يختبر عواقب سلوكيّاتهِ الخاطئة
الأخطاء الّتي لا يدرك الطّفل عواقبها لاشكّ أنّها ستصبح أخطاءً مُتكرّرة، حيثُ يحرص بعضُ الآباء أحياناً على حماية الطّفل من عواقب قيامه بالسّلوكيات الخاطئة انطلاقاً من العاطفة الأبويّة الصّادقة أو محاوله التّغطية على أخطاء الطّفل من خلال إنكارها للحفاظ على ماءِ وجه طفلهم أمامَ الآخرين!
إنّ دفع الطّفل للاختباء خلف أخطائه وعدم الاعتراف بها وحمايته من اختبار عواقبها لا يعدو كونَه استراتيجيّة تربويّة خاطئة تُلحق ضرراً كبيراً في نموّ عقليّة طفل صحيّة وتبدّد جميع المحاولات في تعزيز شعوره بالمسؤوليّة. علينا أن ندرك أنّ تحقيق راحة أطفالنا في المُستقبل تكمن في كشف أخطائهم وهم صغار وتشجيعهم على مواجهة عواقب تلك الأخطاء لتكون دروساً تعليميّة هامّة تنمّي لديهم الشعور بالمسؤوليّة وتعزّز لديهم الشّخصيّة القويّة والقدرة على الاعتراف بالأخطاء والعمل على تصويبها في المُستقبل.
في حال تمّ استدعائك من قبل إدارة المدرسة بسبب سلوك طفلك العدواني مع زملائه داخل الفصل، بدلاً من دفاعك عن طفلك وخلق الحجج لحمايته من المُحاسبة، شجّع طفلك على مواجهة العواقب وتحمّل نتائج سلوكه، واحرصْ على مُناقشة طفلك بعد العودة إلى المنزل بالأسباب الّتي تدفعه لاتّباع سلوكيّات كهذهِ والنّتائج المُترتّبة عليها، وساعدْه على إيجاد الحلول لمعالجة الموقف بشكل مناسب وصحّي، كتقديم الاعتذار إلى إدارة المدرسة وإلى زملائهِ في الفصل.
4- لتربية طفل مسؤول شجّعْ طفلك على تقدير ما لديه بدلاً من منحهِ كلّ ما يطلبه
غالباً ما يكون الأطفال الّذّين يحصلون على كل ما يريدون أقل تقديراً لممتلكاتهم وبالتّالي لا يشعرون بالمسؤوليّة الكافية للحفاظ على ما لديهم، فترى طفلك مُهملاً لثيابه وألعابه ولا يتحمّل مسؤوليّة الحفاظ عليها حين يعلم أنّك ستشتري له ثياباً وألعاباً جديدة في حال طلبَ ذلك.
تقدير الطفّل لما لديه وشعوره بالرّضى والقبول هو البوابة الّتي يدخل من خلالها الطّفل إلى العقليّة الصّحية والواعية الّتي قوامها تحمُّل المسؤوليّة، بحيث تنعكس مُستقبلاً على الأشياء الّتي يمتلكها الطّفل والّتي هي أكثر أهميّة وقيمة من الألعاب أو الملابس!
احرصْ على تشجيع طفلك على تحمّل مسؤوليّة المُحافظة على أغراضه الخاصّة بدلاً من تلبية حاجته لامتلاك أغراض جديدة كي يشعر بقيمة ما يمتلك، ويعمل جاهداً على حمايتها والابتعاد عن تخريبها أو إهمالها.
عندما يُقدم طفلك على تخريب درّاجته لأنّه ببساطة بدأ يشعر بالملل منها ويرغب بامتلاك درّاجة جديدة، يتوجّب عليك، عوضاً عن المسارعة في تلبية رغبته، الحرص على جعلهِ يشعر بالحرمان من ركوب الدّراجة لفترة من الزَّمن، كي يتحلّى بالمزيد من المسؤوليّة تجاه ممتلكاتهِ والسّعي للمحافظة عليها.
إقرأ أيضاً: مقارنة الطفل نفسه بالآخرين: 4 نصائح لمساعدة الطفل على بناء شخصيّة مستقلّة
إقرأ أيضاً: أهمية اللعب للأطفال و 8 من الألعاب التعليمية الهامة التي تساعد الطفل على النمو والتطور
إقرأ أيضاً: كيف يمكن تحصين الطّفل ضد الأساليب التعليمية الخاطئة؟
هل أعجبكَ المقال؟
كيف ينعكس تحلّي أطفالك بالمسؤوليّة على مستقبلهم العائلي والمهني؟
وما هي الاستراتيجيّات والنّصائح الّتي تجد أنّها الأكثر أهميّة لتربية طفل مسؤول؟
كما يمكنك تنزيل المقال بصيغية PDF وقرائته لاحقاً من خلال الضغط على زر تنزيل
0 تعليق