
لا يمكننا إنكار أو التّقليل من أهميّة السلوك الإيجابي واتّسام الطّفل بصفات أخلاقيّة كالمحبّة، التّعاطف، الرّحمة، الاحترام، الاهتمام وغيرها، ولكن في هذا المقال لا نريد أن نثبت أو ننكر قضيّة تعدّ من المسلّمات!، بل نود أن نناقش الأبعاد والآثار الإيجابيّة لتلك الصّفات ودورَها في تعزيز بناء عقليّة نموّ لدى الطّفل على أسس صحيّة ومرنة، بالإضافة إلى توضيح أهميّة امتلاك الطّفل لتلك السّمات الأخلاقيّة كمُنطلق لتنمية شخصيّة متوازنة وقادرة على التّعايش في مجتمع يحتّم على الطّفل حين يكبر أن يكون شخصاً رحيماً، محبوباً من قبل الآخرين، مُحترماً لهم، ومُتعاطفاً معهم، وقادراً على إبداء الاهتمام اللّازم بهم للوصول إلى تعزيز قدرات الطّفل على تكوين علاقات اجتماعيّة إيجابيّة وصحيّة.
ولأنّ الطّفل مخلوق يؤثّر ويتأثّر بمن حوله إلى حد كبير، فما دورُنا كآباء في إدارة تلك التّأثيرات بشكل إيجابي وصحّي، بحيث نجعل تجارب أطفالنا الصّغيرة في عمرهم المُبكّر دروساً تعليميّة هامّة وزاداً لهم يحافظون عليه في جُعبتهم ليعشوا من خلالها حياة مستقبليّة آمنة وصحيّة؟، ولأنّ الأخلاق الصّحيحة هي الّتي تبني مُجتمعاً صحيحاً ومتماسكاً ومن سيحمل مسؤوليّة بناء ذلك المجتمع هم أطفالنا – أبناءُ الحاضر والمستقبل – ،يتوجّب علينا أن نعدّهم جيّداً بكل ما يحتاجونه ليكونوا أفراداً قادرين على التّعايش في المجتمع بشكل إيجابي وبنّاء.

تُظهر الأبحاث في مجال التنمية البشريّة بوضوح أنَّ بذور التّعاطف، الرّعاية والرّحمة موجودة لدى الطّفل منذ وقت مُبكّر من حياته حيث تنشأ وتبدأ بالنّمو داخل المنزل، ولكن لكي يصبح الأطفال مُهتمين وأخلاقيين خارج حدود منزلهم يحتاجون إلى الكبار لمساعدتهم في سقاية وتغذية تلك البذور في كل مرحلة من مراحل الطّفولة للوصول إلى مرحلة الإنبات وقطف الثّمار من سمات أخلاقيّة وعاطفيّة تجعلهم مّقبلين على الحياة الاجتماعيّة بروح مُفعمة بالصّحة النفسيّة والطّاقة الإيجابيّة. إنّ تحلّي طفلك بالسّمات العاطفيّة والأخلاقيّة لا تمنحهُ عقليّة تفكير صحيّة وشخصيّة إيجابيّة فحسب، بل تسهم بشكل فعّال في تحسين الجانب النّفسي والعاطفي لديه والّذي يعد ركيزة أساسيّة في تعزيز صّحة الطّفل الجسديّة والنّفسيّة.
بالعلمِ تُجذب العقولُ، وبالأخلاق تُجذب القلوبُ
نور الدين مصطفى – كاتب وشاعر تركي عربي
سنستعرض في هذا المقال أهم أربع طرق عمليّة يمكن للآباء اتّباعها بهدف تعزيز السلوك الإيجابي والسّمات الأخلاقيّة والعاطفيّة كالمحبة والاحترام والتقدير واللطف لدى أطفالهم.
4 طرق لتعزيز السلوك الإيجابي لدى الأطفال

1- رعاية الطّفل بمحبّة واهتمام يعزز السلوك الإيجابي
يتعلّم الأطفال السلوك الإيجابي مثل الاهتمام والاحترام عندما تتمُّ معاملتُهم بهذه الطريقة، فعندما تعامل طفلك بلطف واهتمام ويشعر بأنّه محبوب وجدير بالاحترام يصبح أكثر ارتباطاً بك، وهذا الارتباط الهامّ يجعله أكثر تقبّلاً لقيمك وتعاليمك الّتي تعمل على نقلها إليه.
يفهم الأطفال السّمات الأخلاقيّة والعاطفيّة بأشكال عديدة من خلال الممارسة والعادات اليوميّة، مثل الاهتمام باحتياجاتهم الجسديّة والعاطفيّة، توفير بيئة أسريّة مستقرّة وآمنة، إظهار المودّة بين أفراد الأسرة، احترام شخصيّاتهم الفرديّة، الاهتمام الحقيقي والملموس بحياتهم، التحدّث عن الأشياء المهمّة الّتي تعني لهم بتقدير واحترام، وتثمين الجهود والإنجازات الّتي يقومون بها.
إنّ الوصول لعقليّة طفلك لتعزيزها بالمفاهيم الأخلاقيّة والقيم الإيجابيّة تتوقّف على شخصيّته والأساليب الّتي تجذب انتباهه الكامل، حيث يفضّل بعض الآباء القيام بذلك مع أطفالهم من خلال قراءة قصص قبل النّوم، تلك الّتي تحمل العِبر والمفاهيم الأخلاقيّة الصّحيحة الّتي يرغب الآباء بنقلها لأطفالهم ويجدون بذلك استراتيجيّة إقناع ناجحة وصحيّة.
للحوارات الهادفة الإيجابيّة والبنّاءة مع الطّفل أيضاً دور مهمّ في تنمية السّمات الأخلاقيّة والعاطفيّة لديه، خصصْ لطفلك بعض الوقت لإجراء نقاشات وحوارات من هذا القبيل، اطرحْ بعض الأسئلة الّتي تثير لدى طفلك الجانب الفكري والعاطفي ليكون مشاركاً بشكل فعّال في النّقاش، تناول القضايا والتّجارب الّتي تهمّ طفلك، ثم اطرحْ عليه تساؤلاتك وقدّم له نصائحك بأسلوب هادئ، هادف ومرن، يمكن طرح أسئلة من قبيل:
ما الذي أنجزتَه اليوم وتشعر بالرّضى تجاهه؟
ما هو السّلوك اللّطيف الّذي فعله أحدهم من أجلك اليوم؟
كيف تقابل الشّخص الّذي يعاملك بلطف واحترام؟
كيف تُكافئ صديقك الذي أسدى لك معروفاً أو قدّم لك جميلاً؟
من هم الأشخاص الّذين تكنّ لهم المودّة والاحترام؟
وكيف يمكنك أن تعبّر لشخص ما عن محبتك وتقديرك؟
2- الآباء هم نموذج أخلاقي ومُرشد لأطفالهم لتطوير السلوك الإيجابي
يفهم الأطفال القيم والسّلوكيات الأخلاقية ويتعلّمونها من خلال مُشاهدة أفعال آبائهم وتصرّفات البالغين الآخرين الّذين يثقون بهم ويكنّون لهم الاحترام والتّقدير أكثر بكثير من توجيه الخطابات الأخلاقية العصماء لهم، حيث يجد الأطفال النّصائح التي يقدمها لهم آبائهم والّتي لا تقترن بأفعال وتطبيق عملي من قبل الآباء على أنّها كلام غير مُرشد لا يحمل أي أهميّة!
احرصْ قبل مطالبة طفلك أن يكون شخصاً صادقاً وعادلاً وأن يعمل على حلّ مشكلاته بوعي وحكمة أن تكون أنت تمارس بالفعل الصّدق والإنصاف وتتّبع مهارات وتصرّفات صحيحة في حل نزاعاتك بالطّرق السّلمية وإدارة حالات الغضب والحالات العاطفيّة الصّعبة الأخرى الّتي قد تواجهها بشكل صحّي وإيجابي.
في الواقع لا يمكن لشخص أن يكون مثاليّاً طوال الوقت، لذلك فمن المهمّ أيضاً أن نظهر ذلك لأطفالنا بشكل جلي وواضح في سلوكياتنا، فإذا كنت تود أن تكون قدوة لأطفالك في التّواضع والوعي الذاتي والصّدق فيجب عليك أن توضّح ذلك من خلال الاعتراف بأخطائك وعيوبك والعمل على حلّها، فمن المهم أن نعطي تبريرات وأسباب منطقيّة لحالات التّقصير؛ فهل عدم اصطحابك لأطفالك إلى الشّاطئ في عطلة نهاية الأسبوع بعد منحهم وعداً بذلك سببهُ أنّك مرهق؟، أم أنك مُنهمك في العمل ؟، إنّ عدم تبرير الآباء لأخطائهم يجعل الأطفال يعتبرونها سلوكيّات طبيعيّة وصحيحة !
بشكل عام، تحدّثْ مع طفلك عندما ترتكب أيّ خطأ قد يؤثّر بشكل سلبي على تنمية السّمات الأخلاقيّة الصّحيحة لديه، فعندما تُقدم على ارتكاب أيّ خطأ، اعتذرْ عن ذلك الخطأ واشرحْ كيف تُخطّط لتجنّب ارتكابه في المرّة القادمة، ذلك سيكون بمثابة درس أخلاقي غاية في الأهميّة لأطفالك.
3- منح الفرصة للطّفل لممارسة السلوكيات الإيجابية
يحتاج الأطفال إلى ممارسة الاهتمام بالآخرين وإبداء الشّكر والامتنان لمن يعاملونهم بلطف، احترام، تقدير وغيرها من السّلوكيات الجيّدة بشكل واقعي وملموس ليعوا أهميّة تلك السّلوكيات والسّمات العاطفيّة الجيّدة في إضفاء طابع أخلاقي وصحّي على حياتهم وعلاقاتهم الاجتماعيّة، من المهمّ بالنسبة للأطفال أيضاً التعبير عن التّقدير للعديد من الأشخاص الذين يساهمون في حياتهم، حيث تشير الدّراسات إلى أن الأشخاص الّذين يمارسون عادةً التّعبير عن المَحبّة والامتنان هم أكثر عرضة لامتلاك شخصيّة تتّسم بالعدل، اللّطف، التّسامح والعفو، وهذا بالطّبع يجعلهم أكثر راحة وسعادة ويعزّز صحّتهم النفسيّة والجّسدية.
احرصْ في المواقف الّتي يتلّقى فيها طفلك أي نوع من العون، اللّطف أو الاهتمام أن تشجعّه على اتّخاذ خطوات مُناسبة في ردّ الجميل ومقابلة الإحسان بمثله، ففي هذه الخطوة تعزّز لدى طفلك السّمات الأخلاقيّة الّتي يحتاجها لتغذية روحه بالقيم الإيجابيّة والخصال الحميدة ليعيش حياة هانئة وسعيدة، وفي المواقف الّتي قد يرتكب فيها طفلك خطأ مع أي شخص، عزّز لديه القدرة والجرأة للاعتراف بالخطأ والاعتذار عنه والعمل على إصلاحه. فعندما يقوم أحد أصدقاء طفلك بمعايدته بمناسبة ذكرى ميلاده، شجّع طفلك على إبداء الشّكر والامتنان لصديقه والحرص على رد المعايدة بالمثل، وفي حال قام طفلك بسلوك خاطئ أمام المعلّمة في الفصل، ادفعهُ بأسلوب إيجابي ومُقنع لتقديم الاعتذار من معلّمته والتعهّد بعدم تكرار ذلك السّلوك مرّة أخرى.
4- مساعدة الطّفل على إدارة مشاعره السّلبيّة بشكل صحّي وفعّال
بعيداً عن المثاليّة والصّفات الأخلاقيّة النّموذجيّة، وبالنّظر إلى مجموعة السّمات التي يمتلكها الأطفال بعين أكثر واقعيّة، ففي الوقت الذّي تبدأ فيه براعم السلوك الإيجابي بالتفتّح والنّمو داخل أطفالنا، فإنّ بعضاً من السّمات السلبيّة كالغيرة والأنانيّة حتماً ستنشأ لدى الطّفل وقد تتطوّر وتأخذ أبعادها لسمات أكثر خطورة كالبغض، الحقد والنّرجسيّة في حال غياب دور الآباء في إدارة تلك السّمات بشكل صحّي وآمن لمنع تطوّرها.
في كثير من الأحيان عندما لا يعبّر الأطفال عن التّعاطف الصحّي والإيجابي فذلك لا يعني أنّهم لا يمتلكونه! فالسّبب يكمن في أنّ بعض المشاعر السّلبيّة الناشئة داخلهم كالغضب، الحزن أو الإحباط قد تمنع تعاطفهم، وهنا يتجلّى دور الآباء في منع تطوّر تلك المشاعر وسيطرتها على عقليّة الطّفل، فغالباً ما تكون مُساعدة الأطفال على إدارة هذه المشاعر السّلبية تجاه الآخرين هي ما يفعّل آليات تعاطفهم الصحّي والإيجابي ويعزّز سماتهم الأخلاقيّة.

إقرأ أيضاً: عقلية النمو والعقلية الثابتة: ثمان طرق لتغيير عقلية طفلك إلى عقلية نمو مرنة
إقرأ أيضاً: تحفيز الطفل من خلال 10 استراتيجيات فعّالة
إقرأ أيضاً: 5 استراتيجيات فعّالة تساعد الطفل على التعلّم ودور الأبوين في تعليم أطفالهم
وأنتم!، هل تعتقدون أنّ للسّمات العاطفيّة والأخلاقيّة الصّحيحة دور في تنشئة شخصيّة الطّفل عقليّته بشكل متوازن وصحيّ؟!
هل أعجبكم المقال؟
وما هي الخطوة الّتي ترونها الأهمّ في تعزيز السّمات العاطفيّة والأخلاقيّة لدى الطّفل؟ إذا أعجبكم المقال، لا تنسَوا مشاركته مع الأصدقاء.
كما يمكنك تنزيل المقال بصيغية PDF وقرائته لاحقاً من خلال الضغط على زر تنزيل
0 تعليق